الرئيسية / الملف السياسي / فلسطين المحتلة / الأماكن ورمزيتها في الوعي والمشاعر

الأماكن ورمزيتها في الوعي والمشاعر

صورة طبيعية لمدينة عكا الساحلية في الجليل الأعلى

الأماكن ورمزيتها في الوعي والمشاعر

خالد ب. الأحمد

للمكان رمزيته المعنوية والعاطفية التي تتوغل في الوعي والقلب لا تبارحه مهما مرت الأيام.

المكان ليس ذلك الوجود المادي، رغم أهميته، ولكنه ذلك الوجود الذي يضج في دواخلنا بالحياة المستمرة.

الأماكن، تحدث عنها ذلك الجيل الذي خرج من فلسطين قبل ستة عقود ونيف، تلك الوجوه التي خط الزمان على صفحاتها تجاعيد وتجاويف، وصواعد ونوازل، لكن ذاكرتها ما تزال تختزن الكثير الكثير…. عن “الحاكورة” و”أيام الحصيدة” و” تعليلة المختار” و….و…

تقترب ذكرى النكبة، وما تزال سيرة الأماكن بحجرها وبشرها وشجرها، حكاية دوارة من جيل إلى جيل… والصغار لا ينسون أبداً.

مع اقتراب النكبة نعود ونتذكر الأماكن، وهي حروف لا تمحوها عوادي الزمن، تبقى مشتعلة، متوهجة، رغم رائحة الموت في أكثر من مكان…. لا فرق في رمزيتها إلا في الخاص.

الأماكن لايعرف أهميتها إلا من افتقدها….. افتقد فيها ما يحتضنه المنزل من ذكرى، وتفاصيل وأشجان… من ابتسامات وقهقهات، وربما دموع وأحزان…” بابا … ماما”… كما يزعق الأطفال طوال النهار… هي ياسمين الجنينة الذي يعطر كل الحارة من الربيع حتى الربيع.
في الخاص، الأماكن، بالنسبة لي، هي وجوه الأحبة التي افتقدت… هي عكازة جاري العجوز التي اشتقت إلى مشاغبتها، وهي تنطح رأسها بباب بيتي ليسألني عن أي شيء…. المهم ليقول: أنا هنا.

هي قدرتي أن أتجول في أي مدينة من بلادي الجميلة حتى ساعات متأخرة في الليل دون أن يستوقفني أحد، دون أن أشعر بخطر ما يداهمني، دون أن تتملكني أي خشية من شبح يخرج من بطن العتمة ليسلبني الطمأنينة.

لهفتي إلى البحر كل صيف لأتعفر برماله الذهبية، وتغريد الناس حولي فرحاً بما تمتلكه بلادي من جمال.

الأماكن هي صراخ بائع البطيخ…” عالمكسر يا بطيخ”…. أو الموز…” كل ثلاثة بمية يا موز”… وأخر”غاز…غاز”…….زعيق الأولاد فرحين بألعابهم… ضجيج الحياة.
الأماكن هي فريق الحارة….. لعبة “طميمة”… ” عيش” و” عسكر وحرامية”.
الأماكن أشياء كثيرة …. تبدأ من عيون حبيبتي وهي تغازل ضياء القمر في مساء صيفي…. وجوه أحبتي أخوة وأصدقاء…هي لمة العيلة الكبيرة بفرحها ووجعها… برويتنيتها وقفشاتها، ونهفاتها، هي فنجان القهوة المرة، واليد الرائعة التي تصبه، الذي ما عرفت أهميته إلا بعد أن فقدته…. هي ذلك الولد الشقي الذي عرف معنى حياة المدينة، منذ سنواته الخمس الأولى، ولم تجرفه بهرجتها رغم أنه قارب الخمسين.

اليوم فقط أدركت أهمية ما قاله لي في احد السهرات، الثمانيني أبو إبراهيم: عندما هاجمنا اليهود، كنت أكل “حز” بطيخ…. تركنا بيوتنا على عجل، وما زالت رائحة البطيخ عالقة فيّ حتى اليوم.. نعم اليوم أدركت ماذا تقصد يا أبو إبراهيم، رحمك الله.
نعم،هذه هي “الأماكن وكلها مشتاقة لك”، كما أنشد مطرب عربي ذات يوم.

عن prizm

شاهد أيضاً

الحرب على قطاع غزة أمام لحظة فارقة…

21 شباط 2024 أنطوان شلحت ليس من المبالغة القول إن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *