الرئيسية / الملف السياسي / فلسطين المحتلة / عاشت الازدواجية، عاش الانفصام

عاشت الازدواجية، عاش الانفصام

المتظاهرات يتعرضن للإعتداء من الأجهزة الأمنية

عاشت الازدواجية، عاش الانفصام

عبير خوري*

وبقدرة قادر تحول النقاش حول مظاهرة يوم الاربعاء وفاء للشهداء وضد نهج المفاوضات واوسلو لقضية “اهم بكثير”: شتايم البنات! “الشرف” و”النخوة” فزّت فجأة بالشعب! واصبح الشغل الشاغل لصفحات الفيسبوك المقربة من السلطة ووسائل الاعلام والمتحدثين الكثر: شتائم البنات في المظاهرات.

وصلت بهذه الحملة ان تنشر صور البنات مع عبارات مهينة وهابطة (تستعمل نفس الالفاظ التي تستنكرها)، ي حملة تحريض دنيئة واستباحة للقتل والقذف والتشهير. ولا افهم كيف يرى “حماة الشرف” الذين هبوا، بأنه من الشرف ان تستخدم صور النساء وتشوه سمعتهم هكذا.

لقد نظمت مظاهرة يوم الاربعاء بشكل سريع وقام بالدعوة لها اسم مجهول على الفيسبوك لانكم ان كنتم لا تعرفوون بعد فإن “دولة ايلول” هي دولة بوليسية، وعادة ما يتورط منظمي مظاهرات ضد القيادة، مع الاجهزة الامنية. وبالتالي لم يكن للمظاهرة كوادر لضبطها وتنظيمها. كل من شارك، قام بذلك لانه يؤمن بعنوانها العريض.

ان افتراض ان كل المتظاهرن هم مجموعة متجانسة واسقاط اي تصرف من اي شخص منهم على الجميع هو اسلوب رخيص ومهترئ لنزع الشرعية عن المظاهرة ككل.

ليس فقط هذا بل يذهب البعض ليطالب منظمات نسوية فلسطينية باصدار بيانا لادانة “تصرفات” المتظاهرات. يعني صارت كل الحركة النسوية على المحك! الله واكبر!

امل ان لا تنجر هذه المنظمات للعب دور ورقة التوت للذكورية المقيتة، وان فعلت تكون قد جلبت العار للحركة النسوية.

وان كنتُ شخصيا ضد الشتائم في المظاهرات او شعارات التخوين، ليس من منطلق انه “عيب البنات تشتم”، بل لانه احنا جايين نوصل رسالة سياسية وبالتالي الشتائم تشتت المضمون. لكني سادافع عن حق اي متظاهرة (او متظاهر) بان تقول ما تشاء. وخاصة اذا كانت متظاهرة تم استفزازها وضربها واهانتها.

طبعا احدا لم يسأل عما جرى للفتاة التي ظهرت تشتم في الفيديو. لم تسأل اي وسيلة اعلام عما حصل دقيقة قبل او دقيقة بعد هذا الشريط الذي وُزع وعُمم وسُوق له بكثافة. احدا لم يسال هذه الفتاة عما دفعها للتصرف بهذا الشكل.

لكن هذا لا يهم. فلو كانت شابا، لن تكون هناك حملة اصلا. فكروا جيدا: لو سمعتم المسبة نفسها من شاب، هل كان الامر سيستفزكم؟ طبعا لا، لانه اصلا هذا هو التصرف الطبيعي المتوقع من الرجل عندما يغضب!

نحن شعب غرقان بالازدواجية….

اصبحت كرامة الشرطي مهمة فجأة، لا وكمان منلعب على وتر الشهداء، أخت ذاك الشرطي شهيدة ووالد ذاك شهيد ايضا، والمفروض بس الناس تسمع كلمة شهيد، وبعدين يقولولها انه شتموا اخو الشهيدة او ابن الشهيد، يلعنوا اللي شتم.

بس في حد يا ترى عم بسأل وين كرامة الشهداء باللي بصير اليوم؟

اعطوني اشي واحد القيادة عم بتساويه وفاء للشهداء، الشهداء هذول ماتوا عشان نبيع الوطن؟ عشان ابو مازن يطلع يقول انا متنازل عن العودة لحيفا وعكا وصفد؟ عشان يقبلوا فتات من المحتلين؟ عشان اجهزتهم الامنية تنسق مع الاحتلال وتحميه؟ شو التنسيق الامني بعمل؟ اسالوا حالكم؟ هل نجح مرة وحدة، مرة وحدة بس يحمي مزارع من المستوطنين اللي بيحرقوا شجرات الزيتون في ارضه؟ هل تصدى مرة للجيش اللي بجتاح وبعتقل؟ بالعكس، لما الجيش يدخل على اي مكان، الاجهزة الامنية الفلسطينية بتتخبى.. لانه هذا هو التنسيق الامني. هذا بحفظ دماء الشهداء وكرامة الشرطي؟ كرامة الشرطي انه يوقف يمنعني اوصل على بيت ايل للتظاهر عند الحاجز (باسم الحفاظ على سلامتي)؟

عن اي كرامة عم نحكي؟

انا بعرف اشي واحد: كرامته من كرامتي، وكرامتي وكرامته منتهكين!

كل الناس بتشتم، كل يوم انا وانت منشتم، كل واحد فينا لما يستفز ممكن يشتم. بالشارع وعالحاجز بنشتم. المتظاهر اللي بينضرب من جندي بيشتم واللي بينذل من جندي بيشتم. ويمكن اذا البنت شتمت الجندي تصير بطلة، بس تشتم لانها انضربت وانهانت من ابن بلدها، بتصير “جريمة”.

ملعونة هيك معايير مجتمعية.

شو افرقتوا عن المخابرات الاسرائيلية، اللي دايما كانت تستخدم خطاب الشرف والسمعة والاخلاق لاضعاف المقاومة والصمود؟ يبدو اننا صرنا تلاميذ المستعمِر الشاطرين وذوتنا العملية التأديبية التي يمارسها هو علينا وصرنا نمارسها على بعضنا، فنحدد شروط المظاهرة “المقبولة” من غير المقبولة.

هذه الاساليب ايضا لا تفرق هاي عن اساليب الانظمة العربية المستبدة، بحاولوا الترهيب البوليسي، بعدين خطاب الاجندات الاجنبية والمؤامرات، بعدين ولاد “البارات”… اذا هذا كله ما نجح بستعملوا كلمة السحر: الشرف. والشرف بفصلوه على مقاسهم. لانه طبعا الفساد والرشوات والسكوت على مسؤولين مغتصبين ومتحرشين ما الوش علاقة بالشرف. لقاءات تطبيع واستضافة قيادات عسكرية احتلالية عنا… والقائمة طويلة، هذا ابدا ما الوش علاقة بالشرف.

قيادة تفرط بالوطن وتبيعوا بالمفرق معلش.. تتنازل عن حق العودة معلش… اما شتيمة البنات عنجد “مصيبة كبرى” حلت على الوطن! اصلا احنا بعدنا مش متحررين من الاستعمار لانه في صبايا بتشتم!!

ملعون ابو هيك انفصام….

باختصار، هذه البروباغاندا القذرة هدفها:

– تحريف النقاش من القضية الاساس: نهج اوسلو والمفاوضات، التنسيق الامني، سقوط شهداء برصاص الاحتلال (في مخيم قلنديا) ورصاص السلطة (في مخيم عسكر).

– نزع الشرعية عن اي صوت معارضة، وخاصة اصوات الشباب وهي تقريبا الوحيدة التي تجرؤ على انتقاد القيادة بشكل مباشر وعلني وفي مسيرات تتجه للمقاطعة، المنطقة المحرمة “ديمقراطيا” على المتظاهرين.

– اضعاف اي مظاهرات قادمة وبالتالي مواصلة مسلسل التنازلات في “العملية السلمية” بدون اي ازعاج.

اذا مفكرين انه هاي الحملة رح تنجح بالتخويف والترهيب، يبدو انكم ما بتعرفوا اي اشي عن المتظاهرات، سواء اللي شتموا او ما شتموا.

30 آب 2013

* ناشطة وكاتبة من الناصرة المحتلة

عن prizm

شاهد أيضاً

الحرب على قطاع غزة أمام لحظة فارقة…

21 شباط 2024 أنطوان شلحت ليس من المبالغة القول إن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *