الرئيسية / الملف السياسي / فلسطين المحتلة / على رصيف المقاطعة … ماذا حدث؟

على رصيف المقاطعة … ماذا حدث؟

على رصيف المقاطعة

ريتا أبو غوش*

ما الذي حدث؟

نظم الشبان والفتيات مسيرة غاضبة يوم الاربعاء (28/8/2013)، باتجاه مقر المقاطعة، تحمل أربعة نعوش رمزية لشهداء المخيم, سقط ثلاثة منهم على أيدي العدو الصهيوني في مخيم قلنديا, والرابع برصاص أجهزة أمن السلطة في مخيم عسكر. تم الحشد في ميدان الشهيد ياسر عرفات، للتحرك باتجاه مقر المقاطعة، ولأننا نثق بالكلمة، وتعلمنا منذ نعومة أظافرنا، أنه في البدء كانت الكلمة، رددنا الهتافات المنددة بالتنسيق الأمنى مع العدو الصهيوني، وبالعودة إلى المفاوضات، وبالاستهتار بدماء شهدائنا. وفي اثناء مسيرتنا، كالعادة، قطع طريقنا حاجز لقوات مكافحة الشغب، ولكن اللافت للانتباه هذه المرة، خروج شرطياً يحمل مكبرات الصوت، في وسط أعدادٍ كبيرة من مندوبي وكالات الأنباء، ليرحب بالمسيرة، ويدعونا إلى التوجه إلى ساحة الأمم، لأنه غير مسموح لنا التوجه إلى مقر المقاطعة، ادركنا جيداً أن الشرطة الفلسطينية بدأت في التعامل مع المسيرات بطريقة أخرى، منذ خسرتها لمعركة “موفاز”، حين قررت قمع المسيرات المنددة باستقباله في مقر المقاطعة.
رفض المتظاهرون الذهاب إلى ساحة الأمم، وأصرّوا على استكمال مسيرتهم نحو مقر المقاطعة, وكان رد فعل أجهزة أمن السلطة، الصدام مع صفوف المظاهرة الأولى، اذ قابلتهم بالقمع والضرب بالهروات ليسقط على الفور ثلاثة أصابات بعد أقل من خمسة عشرة دقيقة من تواجدنا. تراجع المتظاهرين الى الخلف وتقدمت المتظاهرات, اللواتي حاولن بدورهن, أكثر من مرة فتح ثغرة في صفوف قوات مكافحة الشغب لاستكمال المسيرة باتجاه مقر المقاطعة، إلا انهن تعرضن للضرب بالأرجل وهروات عناصر أمن السلطة، وانتشر عناصر من أجهزة الأمن برداء مدنى للتعامل مع الفتيات، والتحرش بهن لفظياً وفعلياً، ودفعهن من ملابسهن، والاشارة لهن بايحياءات جنسية، حيث أصيبت احدى الفتيات بنزيف دموي بعد ضربها من قبل عناصر الأمن بين أرجلها، واصيبت اخرى بكسر في معصهما، وتوزعت الكدمات جراء ضرب الهروات على أجسام الفتيات . انتهت المسيرة بعد قمعها، وتوجهنا للاطمئنان على من اصيب منا، ثم توجه كل شخص منا الى منزله مع أخذ الحيطة والحذر من “المناديب”، الذين يقومون بدورعيون السلطة، حتى ظهر أحدهم لنا، وقال: “اتف**ن بنات المسيرة اليوم”. لم نعيره الكثير من الاهتمام, وذهبت كل منّا في طريقها.

لقد خرجنا في مسيرات من قبل, و قُمِعنا من قبل السلطة مراراً ولكنّ مسيرة الأربعاء كانت التجربة الأولى من نوعها التي قُمِعنا فيها..و خسرنا تأييد الشارع…ما الذي حصل؟

وصلت إلى البيت، وتابعت ما حدث اليوم عن طريق الشبكة العنكبوتية (مواقع التواصل الاجتماعي)، التى وصفت ما حدث بأنه قمع سلطوى لمسيرة تطالب بوقف المفاوضات ووقف التنسيق الأمنى..الخ، أدت إلى سقوط عدد من الأصابات، من بينهم، باسل الأعرج، وبراء القاضي. وانتشرت صور قمع أجهزة أمن السلطة، وصور ارتداء الاعلاميين لدروع الوقاية، مما يشير إلى قمع متكرر من السلطة للاعلاميين و رسالة قوية من الاعلام، وصور تتحدث عن الفتيات الفلسطينيات، مزيلة بكلمات “الثائرات هن الجميلات”. ولم تمضى سوى دقائق، حتى انتشر في مواقع الشبكة العنكبوتية، فيديو مدته ثمانية دقائق من تصميم موقع “زمن برس” ، يركز فقط على انسانية أمن السلطة، وهم يوزعون الماء على المتظاهرين، وتنتقل عدسة المصور إلى الأرض لتوثق وجود عبوات الماء، لتشير بطريق أو أخرى إلى رفض الفتيات قبول الماء، ثم تنتقل العدسة بسرعة إلى جانب أخر لتوضح انسانية أمن السلطة، وكيفيه توجه رجل الأمن إلى أحد المصابين للاطمئنان عليه، ليس ذلك فحسب بل انتقلت العدسة بسرعة ايضا، لتوثق اعتداءات فتيات لا يحملن سوي الكلمات، بل تم التركيز على فقرة لا تتعدى مدتها الستين ثانية وتظهر فيها فتاة تشتم أحد عناصر الأمن، وتسب الذات الإلهية، وتناقل اللقطة بكاميرتين من زاويتين مختلفتين.. هنا خرجت الدعوات تشد على ايدى عناصر الأمن، وتطالب بمحاسبة الفتيات، وتطورت إلى دعوات تطالب برأس الفتاة التى سبت الذات الإلهية.

دعونا نتساءل هنا: ما الذى حدث؟! ولماذا انقلب المشهد؟!

بداية، نستنكر سب الذات الإلهية، ولا يوجد عاقل يبرره تحت أى ذريعه.

ثانياً, نوضح أن المسيرة لم تكن تابعة لأي جهة معينة, ولم تكن تحت مظلة أي حزب أو فصيل.

ثالثا: تم نسيان السبب الذي خرجت من أجله المظاهرة, واختزال ما حدث بالشتيمة والسباب التى لم تتجاوز الستون ثانية، وتجاهل أكثر من سبعة اصابات.

رابعاً: أرفض رفضاً قاطعاً اهانة المتظاهرين، ووصف الفتيات بـ”العاهرات”، و أقبح الأوصاف لمجرد أن إحدى الفتيات سبت الذات الإلهية.

خامساً: يا من تطلب اعتذار الفتيات للشرطي, دعهن يضربن العناصر بين ارجلهن قبل أي شيء…بالمناسبة, أتساءل ما قد تفعله أنت لو ضربت بين رجليك.

يا من غضبت من فتاة كل ما تمتلكه كلمات، واتهمتها بـ”العاهرة”، لانها أخطأت وخرجت عن طورها، وسبت الذات الإلهية، لماذا لم تغضب عندما تسب الذات الإلهية صباح مساء في يومنا الاعتيادي، سواء في الشارع, أو في البيت, أو في العمل. ولماذا لم تنتفض عندما سب اصحاب المحال التجارية الذات الإلهية للشباب والشابات، بعدما طلبوا منهم اغلاق المحال التجارية حداداً على أرواح الشهداء؟ يا من غضبت وانتفضت لدينك وربك، الا تعتقد ان المحاسب هو الله؟ ام تعتقد ان الله وكلك بالحساب على الأرض، هل يقول لك دينك، ان تقذف المحصنات، وتتهمهن بالعهر؟!
لم تنتهي القصة إلى هنا، بل تطور الأمر الى حد التهديد بالقصاص من الفتيات. شُكلت مجموعات من الشباب الغيور على دينه!! وحملوا صور الفتيات وانطلقوا يبحثون عن من سب الذات الإلهية، ومن شتم، ومن ضرب الشرطي. إلى ان توصلا إلى أحد المطاعم وقاموا بتهديد صاحبه بتحطيم المطعم ومحتوياته، أن لم يقم بطرد الفتاة التي بالصورة !! اتساءل هنا: أين أنتم عندما تراق دماء الشهداء، أين أنتم عندما ُتجتاح المناطق المحررة؟ أين انتم يا حماه الدين، عندما يدنس المسجد الأقصى، وتقتسم الصلاة في الحرم الإبراهيمي؟ ماذا فعلتم لوقف المفاوضات؟ هل بحثتم عن قتله أمجد عودة؟ هل قدمتم الفاسدين إلى المحاكمات؟ من المنتفع الأول مما حدث ؟ من المهتم بتشويه صورة الفتيات و التأكد من عدم عودتهن الى الميدان؟
أخيراً..ان كنت ضد البذاءة والعهر, فالسلطة الفلسطينية هي المصدر الأول للبذاءة والعهر. أنا ارفض تبرير الشتائم, ولكني ارفض التعميم، والتهديد والتشهير الذي حدث. لن تستطيعوا إرهاب الفتيات من النزول إلى الميدان والمطالبة بحقهن.
و لن نقدم أي اعتذار!…
تسقط المفاوضات , العار لكل متخاذل.. و المجد للشهداء!

“اغفروا لي حزني وخمري وغضبي وكلماتي القاسية, بعضكم سيقول بذيئة, لا بأس .. أروني موقفا أكثر بذاءة مما نحن فيه” ــ مظفر النواب.
30 آب 2013
* مدونة وكاتبة فلسطينية من القدس المحتلة

عن prizm

شاهد أيضاً

الحرب على قطاع غزة أمام لحظة فارقة…

21 شباط 2024 أنطوان شلحت ليس من المبالغة القول إن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *