الرئيسية / الملف السياسي / فلسطين المحتلة / كيف تأسست القيادة الوطنية الموحدة؟(2)الجهاز السياسي التنظيمي للانتفاضة

كيف تأسست القيادة الوطنية الموحدة؟(2)الجهاز السياسي التنظيمي للانتفاضة

شهادة محمد اللبدي (2)
مهند عبد الحميد

عرض إضاءات من الانتفاضة الوطنية الكبرى على لسان الصديق محمد اللبدي صاحب الرؤية وروح المبادرة، جاء بهدف التفتيش عن عناصر قوة الانتفاضة ومحاكاتها في لحظة الأزمة السياسية الخانقة التي يعيشها شعب بكامله.
لم يكن هدف العرض بأي حال تقديم دعاية لشخص أو تنظيم في مواجهة أشخاص وتنظيمات أخرى، ولا إنكار أدوار وإبراز أخرى.
عملية التفتيش تنطوي على حوار مع مهتمين وعرض آراء جديدة، وابتكار أخرى. في هذا السياق، كان من اللافت دخول أكثر من 1297 قارئا على المادة في “الأيام”، وإعادة نشرها 375 مرة.
فضلاً عن حوارات أكثرها شفوي وأقلها كتابة عبر الفيس، وهذا يدل على الاهتمام بالمضمون الذي يتلخص بسؤال هل يستطيع الشعب الفلسطيني الآن الخروج من عنق الزجاجة مستفيداً من تجربته الملهمة؟
الحريق الثوري العفوي الذي اندلع في وجه الاحتلال الكولونيالي سرعان ما تحول إلى انتفاضة وطنية كبرى وكانت عناصر قوة الانتفاضة كما يرويها محمد اللبدي في شهادته هي:
شهادة اللبدي رقم 2
الجهاز السياسي التنظيمي للانتفاضة
ما كان للانفجار الشعبي أن يستمر ويتحول إلى فعل شعبي منظم بغير مقومات ذاتية أساسية وضرورية، ويأتي في مقدمة ذلك القيادة الوطنية الموحدة التي انبثقت من القوى الفلسطينية في الداخل الفلسطيني لأول مرة، بممثل واحد عن كل تنظيم.
النجاح يسجل لكل التنظيمات السياسية التي قامت بالتنسيق والتلاحم بين كل قواعدها وكوادرها متجاوزة مظاهر التعصب الفئوي.
ويسجل لحركة فتح كونها تجاوزت في تلك اللحظة التاريخية مسألة حجم التمثيل لصالح المهمة الرئيسة وهي تصعيد الانتفاضة وتحقيق أهدافها.
وباشرت القيادة الموحدة اجتماعاتها السرية السريعة لتحديد البرنامج النضالي الأسبوعي ولاعتماد النداءات المشتركة.
وكانت للقيادة الموحدة مرجعية مكونة من المستوى السياسي الأول داخل الوطن، الذي يستند بدوره إلى قيادة التنظيمات في تونس ودمشق وأماكن أخرى.
وضمن هذا التسلسل تطورت مبادرات المستوى القيادي الميداني الذي ترك بصمات قوية على الأحداث انسجاما مع مقولة “أهل مكة أدرى بشعابها”.
مقومات أخرى على درجة عالية من الأهمية أنجزت بالشراكة الوطنية، كالاتفاق على الهدف السياسي المركزي وهو: الخلاص من الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة العام 1967 وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها مدينة القدس، وعودة اللاجئين إلى وطنهم.
وفي السياق أنجز البرنامج النضالي المباشر الذي كان يتطور ويُعدل أسبوعيا، ومن بنوده وقف وتفكيك المستوطنات والانسحاب من المدن ووقف الاعتقالات ووقف مداهمة المؤسسات التعليمية، واستقالة الفلسطينيين من جهازي الشرطة والإدارة المدنية، واستسلام العملاء.
وكان العنصر الأهم يتمثل باقتناع عموم المنتفضين بأن المهام والأهداف قابلة للتحقيق، وعندما بدأ جهاز الإدارة المدنية والشرطة والعملاء بالتفكك تعززت ثقة المنتفضين بقيادتهم وبانتفاضتهم وبإمكانية تحقيق أهدافها.
ولأن الانتفاضة أعطت بريق أمل لمختلف الطبقات والشرائح الاجتماعية بإمكانية دحر الاحتلال والتحرر الوطني فقد شاركت كلها بالانتفاضة في أوجه ومجالات مختلفة.
كل إنجاز كان يسهم في انخراط المنتفضين بالمهام المنوطة بهم، على سبيل المثال في مواجهة القمع والتخريب الإسرائيلي تشكلت لجان الحراسة، وأدى التوقف عن العمل في المستوطنات إلى العمل جزئيا في زراعة الأرض، ونتج عن مقاطعة السلع الإسرائيلية التي لها بديل فلسطيني الاعتماد النسبي على المنتجات الفلسطينية بما في ذلك المنتجات البيتية التي ازدهرت آنذاك. كنا نشهد بشكل رمزي عملية هدم تدريجية لمؤسسات الاحتلال وعملية بناء تدريجية لمؤسسات الاستقلال عن الاحتلال.
وكما كان الإطار السياسي فاعلا بمستوى غير مسبوق في تجربة الأراضي المحتلة – بوجود مشاكل ونقاط ضعف – أسست التنظيمات الأربعة وأطرها النقابية والنسوية والمهنية والشبيبة والاتحادات الشعبية الجهاز التنظيمي للانتفاضة الذي بفعله تحولت الانتفاضة العفوية إلى انتفاضة منظمة لها قيادة وأهداف وبرنامج وجهاز تنظيمي.
ولعبت اللجان الشعبية المتخصصة دورا مهما في ملء الفراغ الناجم عن القمع. لقد أدى الجهاز التنظيمي دوره بشجاعة وتفانٍ، أذكر كيف سيطر العمال المنتفضون – في يوم السبت الأسود كما سماه الإسرائيليون – على شارع صلاح الدين في مدينة القدس وقاموا بإغلاقه بعد أن حطموا مركز الشرطة والبنوك ومكتب العمل والبريد.
وأذكر الدور الفاعل للمنظمات النسوية في اختراق الحصار وفي صنع مقومات الصمود وفي أداء المهمات الصعبة بشجاعة قل نظيرها، وبفعل ذلك استمرت الانتفاضة وانتقلت من طور لآخر ودخلت عامها الثاني بانخراط جماهيري واسع ومنتظم في فعالياتها سواء المحددة في نداءات قيادتها الموحدة أو إبداعات ومبادرات المواقع المختلفة.
ورغم الزخم الشعبي الذي توحد على مطالب عادلة ومشروعة لم تستجب سلطات الاحتلال لمطالب المنتفضين إلا النزر القليل واضطرارا، خلافا لانتفاضات شعوب أوروبا الشرقية التي كانت أقل زخما وفعالية لكن السلطات الشمولية استجابت لمطالبهم.
أما في فلسطين فقد حدث النقيض من الاستجابة، عندما شنت سلطات الاحتلال الإسرائيلي موجات متلاحقة ومتصاعدة من القمع المنهجي الذي استهدف أول ما استهدف الجهاز التنظيمي وفي مقدمته القيادة الوطنية الموحدة، فقد جرى اعتقال الآلاف – أكثر من 10 آلاف من المناضلين الميدانيين، اعتقل المستوى الأول والثاني والثالث من القيادة الوطنية الموحدة، واعتقل أبرز النقابيين العماليين، واعتقل مئات من الطلبة والشبيبة، وكل هؤلاء كانوا في الجهاز التنظيمي النضالي للانتفاضة – حيث عملت سلطات الاحتلال على تحطيم البنية التنظيمية للانتفاضة، وقامت في الوقت ذاته بإبعاد عشرات الكوادر من القيادة الميدانية إلى خارج الوطن.
حدث ذلك في غياب الضغط الخارجي والداخلي على دولة الاحتلال من أجل الاستجابة لمطالب الانتفاضة المشروعة.
كانت قوى المعارضة الإسرائيلية دون المستوى الذي يسمح بوضع حد للتعنت والعدمية الإسرائيلية، وكانت الدول العربية الخليجية قد أوقفت دعمها المالي والسياسي للانتفاضة وللمنظمة بعد احتلال العراق للكويت، وكان العالم يشهد تفكك وانحلال الاتحاد السوفييتي ومنظومته الاشتراكية إيذانا بنشوء القطب الأميركي الواحد كبديل للتعدد القطبي على صعيد كوني.
ثم جاءت حرب الخليج وتداعيات الهيمنة الأميركية على المنطقة لتؤثر سلبا على الانتفاضة وأهدافها ولتعطي دولة الاحتلال فرصة الإفلات من العزلة التي خيمت عليها بفعل الانتفاضة.
أخلص للقول، إن الحركة الوطنية في وضعها الراهن لا تملك تلك المقومات السابقة التي نقلت الشعب من حالة دفاع إلى حالة الهجوم.
الحركة السياسية تعيش في حالة من التفكك، ولا تتفق على هدف وبرنامج واحد، وتفتقد إلى جهاز تنظيمي لمقاومة الاستيطان والنهب ومقاومة تصفية القضية الوطنية عبر صفقة القرن.
وعندما نقول لا تملك ولا تتفق، وتفتقد فإن ذلك يشكل تحدياً كبيراً عند كل القوى والمجموعات والعناصر الحية، تحدي البحث والمبادرة وإعادة البناء.

عن prizm

شاهد أيضاً

الحرب على قطاع غزة أمام لحظة فارقة…

21 شباط 2024 أنطوان شلحت ليس من المبالغة القول إن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *