الرئيسية / الملف السياسي / الوطن العربي / قراءة في اعترافات محمود جبريل

قراءة في اعترافات محمود جبريل

بقلم/ علي بن مسعود المعشني

لاعترافات الدكتور محمود جبريل الورفلي أهمية خاصة في تقديري الشخصي على الأقل ، فالمذكور كان أحد قادة ماسميت بثورة 17 فبراير في ليبيا عام 2011م والتي تكفلت بإسقاط نظام العقيد معمر القذافي وثورة الفاتح من سبتمبر ومنظومتهما كاملتين بمساعدة حلف الناتو وبعض العرب وبمباركة غير مسبوقة من جامعة الدول العربية ، ثم أتت على الدولة الليبية وسلمتها للميلشيات ولغاية اليوم .
في حوار مطول للدكتور محمود جبريل مع قناة الميادين مؤخرًا تحدث المذكور وأوضح نقاط كثيرة ومهمة عن سير أحداث الأزمة الليبية باعتباره أحد الفاعلين المهمين بها ، ومن كبار المراهنين على ايجابية التغيير ومستقبل ليبيا بدون العقيد معمر القذافي ومنظومته .
تكمن أهمية اعترافات د.جبريل بالنسبة لي لأنه كان من القلة الذين يعون مايفعلون ويدركون عواقب أفعالهم بوعي وإدراك تامين بخلاف الكثير ممن قادتهم أهواءهم والتحقوا بالركب خوفًا وطمعًا ، فالدكتور محمود من الخبراء الاستراتيجيين القلائل على مستوى العالم ممن عُرفوا بالقدرة على استشراف المستقبل وقراءة تفاصيله ، وهو من ذكر لنا عبر قناة الجزيرة بأن العراق سيتم غزوه واحتلاله قبل عام من الحدث وهو من عاش طويلًا في بلاد الغرب وعرف عن كثب منطقهم وثقافتهم وعقيدتهم السياسية ودوافعهم في التعامل مع الوطن العربي خصوصًا والعالم بعمومه ، و كان مكلفًا من قبل القذافي بملف التخطيط الاقتصادي الليبي قبل الأحداث وإبانها ، من هنا فحوبته أكبر من غيره .
أهم النقاط التي أتى على ذكرها د.جبريل هي :
= وصفه للمناخ والتوجه الدولي بأهمية التغيير في المنطقة
= الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في التعاون مع حركات الاسلام السياسي ودعمها بدل من مواجهتها
= العناصر والفصائل التي شكلت ماتسمى بالثورة
= مقترح الرئيس الفرنسي ساركوزي في لحظة حرجة من لحظات الأزمة بضرورة قبول التسوية مع نظام معمر القذافي وتقاسم السلطة معه
= البحث في مصير الامام موسى الصدر بعد سقوط طرابلس وتلكؤ القيادات السياسية والحزبية في لبنان في التجاوب في فتح الملف وتشكيل فريق عمل مشترك
حيث تحدث المذكور عن وجود ارادة دولية تشكلت في العقدين الأخيرين – وكما أسماها – في اعادة خلط الأوراق في المنطقة وقواعد المصالح وإعادة النظر في التحالفات وفق ماطرحته رؤية مؤسسة راند كوربوريشن الأمريكية (الذراع التنظيري للبنتاجون) لحكومتها ، ومن أهم نقاط هذه الأطروحة هي تغيير بعض الحلفاء في المنطقة ، والتحالف مع حركات الاسلام السياسي في المنطقة العربية ودعمها كإستراتيجية بديلة عن المواجهة والاحتراب معها وعلى رأسها تنظيم الأخوان والقاعدة ومن يدور في فلكهما من تنظيمات وحركات . وبناء على هذه الرؤية انخرطت بعض الأقطار العربية في المخطط الأمريكي وجعلت من نفسها ومقدراتها رهن إشارة واشنطن كطوق نجاة لها من رياح الربيع .
من المعلوم أن القضاء على الزرقاوي الحليف لأمريكا في العراق عام 2005م أتى ضمن المخطط الاستراتيجي الأمريكي لانتاج جماعات جهادية جديدة تحمل عقيدة مختلفة عن عقيدة القاعدة المتقلبة ، وكانت البداية في سجن بوكا الأمريكي والذي أنتج قيادات داعش وعقيدتها وكوادرها وأطلقها باسم الجهاد على بقية الحركات حينها ثم النظم المارقة في المنطقة وفق تصنيف البورد السياسي الأمريكي .
كان مخطط الاطاحة بنظام العقيد معمر القذافي هدفًا استراتيجيًا للغرب وخاصة بعد عام 1976م وهو العام الذي تيقن فيه الغرب باستحالة استمالة أو ترويض القذافي للخروج من عباءة الناصرية وفكر القومية العربية ترهيبًا أو ترغيبًا ، وبعد قراءة الغرب واستنتاجه لعدد من رسائل الغزل السياسي التي أرسلها للقذافي خلال السبعة أعوام من عمر ثورة القاتح (1976 – 69) .
لهذا لم تنطلق ماسميت بالثورة في ليبيا الا بعد ضمان غياب الدولة في الجوار الليبي في كل من تونس ومصر لضمان قطع الدعم والامداد عن القذافي بالنظر الى صداقته العميقة مع الرئيس زين العابدين ودور بن علي في كسر الحصار جزئيًا عن ليبيا فترة أزمة لوكيربي ، وماتعنيه ليبيا في دائرة الأمن القومي المصري من أهمية كبرى وعلاقة القذافي الوثيقة جدًا مع اللواء عمر سليمان رئيس جهاز الأمن المصري ، لهذا كان الاصرار على رحيل بن علي وغياب الدولة في مصر ضروريًا للإجهاز على ليبيا وفق المخطط الغربي . وأنطلقت الأحداث من الشرق وعاصمته بنغازي بزعم التهميش والمظالم بينما القصد الحقيقي هو قطع الامداد وبتر العمق الاجتماعي الليبي في مصر والذي يقدر بملايين البشر من المصريين من ذوي الأصول والامتداد القبلي مع ليبيا .
تشكلت ماسميت بثورة فبراير من عناصر وتشكيلات متناقضة وحدها العداء للقذافي وغلب على بعضها الحقد والثأر والتشفي من النظام الجماهيري ، وكانت أغلب كوادرها الميدانية من الخلايا النائمة للحركات الاسلامية كتنظيم الأخوان والجماعة الليبية المقاتلة والتي تنكرت لتعهداتها بعدم الاحتكام للسلاح في حالة الخلاف مع ولي الأمر فيما عٌرف بالمراجعات والحوارات معها والتي قادها سيف الاسلام معمر القذافي في اطار برنامج ليبيا الغد ، والذي أدمج عددًا لايستهان به من المعارضين وطوى صفحة خلافهم مع الدولة الليبية منذ عام 2005م وصاعدًا والتحق كذلك بماسميت بثورة فبراير بعض المسؤولين الليبيين ممن تبين لاحقًا تجنيدهم من قبل الغرب فترة المفاوضات السرية لحل أزمة لوكيربي من أمثال رئيس جهاز الأمن الخارجي السابق ووزير الخارجية لاحقًا موسى كوسا ، ووزير الخارجية السابق ومندوب ليبيا في الأمم المتحدة لاحقًا عبدالرحمن شلقم .
حين أشتدت مقاومة الجيش العربي الليبي للناتو على محور البريقة الميناء النفطي الهام وطالت المواجهات أكثر من عمرها المخطط وأنسحبت عدد من الدول المشاركة في العدوان على ليبيا نتيجة ذلك ورغم التفاوت الكبير في العدة والعتاد ، إستدعى الرئيس الفرنسي ساركوزي د.محمود جبريل وعرض عليه تسوية فرنسية مضمونها قبول الطرفين بالتناوب على السلطة ووضع القذافي قيد الاقامة الجبرية بحراسة أممية في منطقة نائية بليبيا ، ولكن المبادرة الفرنسية لم تلق القبول من شخصيات لدى الطرفين .
بعد سقوط طرابلس وسقوط النظام في ليبيا راجع فصيل من يسمون بالثوار عدد من الملفات وكان من ضمنها ملف الامام موسى الصدر ، حيث تفاجأوا ببرود التفاعل من الطرف اللبناني وتلكؤه في التعاون لفتح الملف لمعرفة مصير الامام الصدر ومرافقيه الى درجة سلبية حكومة نجيب ميقاتي حينها في احجامها عن ارسال طبيب شرعي مختص للكشف على بعض الجثث والرفاة المشتبه بها في بعض المقابر التي يحوم حولها الشك بدفن الامام الصدر وكما ورد على لسان د.جبريل.
من المعلوم أن عودة الامام موسى الصدر من قم بإيران إلى لبنان وتشكيله لما عرفت بحركة المحرومين والتي تطورت لتصبح حركة أمل اليوم ، ونشاطه الاجتماعي والخيري والتوعوي في جميع مناطق وأطياف مكونات لبنان ثم قيادته للحركة الوطنية المقاومة للعدو الصهيوني والتدخلات الغربية ، تسببت في ارباك كبير للمشهد الطائفي والنفوذ المناطقي في لبنان ، تلاها سحب البساط عن مفهوم الزعامات التقليدية وانتزاع أوراق الصراع في لبنان والمنطقة من الرموز التقليديين الى زعامة وكاريزما الصدر الأمر الذي جعل بالنتيجة سماحة الامام مطلوبًا من جهات وأفراد لاحصر لهم في لبنان وخارجه ، فقد أربك الامام الصدر المشهد والموروث وزلزل القناعات والعروش والزعامات في لبنان ومحيطه بصورة كبيرة وبالتالي كان لابد للبعض من أن يتخلصوا منه ولابد للبعض الآخر من المتاجرة بقضية إختفاءه . وليبيا والقذافي من أبعد الأطراف مصلحة في اختفاء الامام أو قتله ومن أكثر الخاسرين لقيادة جامعة للمقاومة الوطنية في لبنان والمنطقة ، ويكفي أن بغياب الصدر عام 1978م وبتشويه القذافي واتهامه بدمه دخل جيش العدو الصهيوني بيروت عام 1982م بكل ارتياح ويسر .
يقول لي صديق لبناني مطلع : هناك في لبنان من سيقاتل والى الرمق الأخير في حياته من أجل بقاء رواية اختفاء الامام موسى في ليبيا وتحميل دمه للقذافي !!
الخلاصة من حديث د.محمود جبريل ندمه الشديد جدًا على واقع ليبيا اليوم من غياب الدولة وتشرد الليبيين وحكم الميلشيات وتدخل أطراف دولية عديدة وتحكمها في الدولة الليبية وتقرير مصيرها ومستقبلها .
وستبقى قضية الامام موسى الصدر تجارة رابحة للبعض في لبنان ومحيطه واتهام ليبيا والقذافي بدمه لغرض في نفس يعقوب رغم اعتراف ايطاليا رسميًا للحكومة الليبية حينها بوصول الامام الصدر ومرافقيه الى روما واختفاءهم بعد يومين من الفندق ، ورغم مطالبة جهات دولية لاعبة ومؤثرة إقليميًا برأس الصدر .
قبل اللقاء : يقول البعض بأن من يسمون بالخبراء الاستراتيجيين هم في الغالب كالمنجمين الذين تستعين بهم أجهزة المخابرات العالمية لتهيئة الرأي العام الأقليمي أو الدولي لحدث ما قادم ولكي يبدو الحدث لاحقًا طبيعيًا وأقرب الى القضاء والقدر ، ولهذا الاستنتاج حديث آخر يطول شرحه والخوض في تفاصيله .
وبالشكر تدوم النعم
مسقط : 17/2/2018م

عن prizm

شاهد أيضاً

التنمية بعيدا عن التبعية حلم بعيد المنال..!

4 تشرين الأول 2023 د.محمد سيد أحمد* ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن التنمية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *