الرئيسية / الملف السياسي / الوطن العربي / سوريا والجهل المقدّس

سوريا والجهل المقدّس

ادريس هاني

لازال عنوان كتاب أوليفي روا: الجهل المقدس لعقا على ألسن الكثير من خبراء حركات التّطرف، بمن فيهم الخبراء المغشوشون الذين يختفون خلف هذا المستشرق الفرنسي العتيد لتمرير سمومهم ومنهم من ينتمي لقبيلة الجهل المقدّس..ويبدو لي أنّ هذا العنوان ينطبق على خصوم سوريا الذين خالفوا المعقول والمنقول في محاولة إقناع الرأي العام بنزعتهم الثأرية ضدّ الأسد..إنّه حقا الجهل المقدّس..ولست واثقا إن كان هؤلاء الذين ملؤوا الدنيا وشغلوا النّاس بقراءات سطحية حول الظواهر إيّاها مستندين على أوليفي روا، إذا ما كانوا سيغيرون آراءهم أو سيدفنون اليوم رؤوسهم في الرمال..لا يهمّ أن يكون خصوم سوريا من طينة القرضاوي والعريفي والعرعور وبرنار هنري ليفي الصهيوني الأب الروحي لربيع الإخوان، إذا كان هناك من يحسن قراءة المشهد السوري ومدركا للمؤامرة وتفاهة عصائبها..يكفي أن يكون في الطرف الآخر روبرت فيسك وإدغار موران وأوليفي روا وكثير من أهل الرأي الذين قشعوا ما لم يقشعه خبراء الثّأر..


فيما يعنيني لم أجد في ما ذكره أوليفي روا جديدا..ما نطق به قبل أيام على قناة 24 قلناه بالحرف قبل سنوات ومنذ الأيام الأولى لاندلاع الأزمة للخاص والعام وفي وسائل الإعلام الموثّقة..دعنا أوّلا نلخّص كلامه الذي سيكون ضربة قاضية لكلّ هذه التّفاهة التي لم يفق منها صنّاع الجهل المقدّس..قال لهم أوليفي روا بالحرف بأنّ الأسد سيكون أوّل زعيم عربي ينتصر على مراكز القرار العالمي..حينما اعترض المذيع بالقول أن هذا مبالغة باعتبار عدد الضحايا، ردّ أوليفي روا بأنّه ليس بصدد حكم قيمة ولكن يوجه بدوره سؤالا للمذيع: ما هو وجه المبالغة في كلامي؟ حينما يجتمع مجلس الأمن في ساعتين ونصف لإصدار قرار الحرب على أفغانستان بينما يفشل في إصدار قرار ضد الأسد منذ شهور وبدعم من العرب وهو لا يفعل سوى أن يماطل ليخرج بماء الوجه وبعض الهيبة بعد هذا التحدي..
ويسأل المذيع أوليفي روا حول السبب الذي يجعله يتحدث عن الأسد وليس عن سوريا، فيجيبه أوليفي روا بأنّ الأمر أصبح موضوع ثأر شخصي من زعماء الدول العربية وزعماء العالم لكسر كبرياء الأسد..
ويجيب أوليفي روا على سؤال أو بالأحرى تساؤل طرحه على أوباما ونيتينياهو الذين كانا يقولان بأنّ الأسد ضعيف وأنه سيسقط قريبا في بضعة أيام، ما السبب الذي منعهم من التدخل؟ هل هو نقص في الوقود أم لأنّ بشّار أضاف تقنية أخرى لملامح أبيه القاسية وصمته الذي يخرجك عن صوابك، خاصية الهدوء والاستيعاب..وهو يمتلك أوراقا كثيرة..هذه حسب أوليفي روا قوة وليست ضعفا..
يقول أوليفي روا أيضا بأنه لم تصمد دولة عربية بتاريخها كل هذا الوقت عندما يقرر الغرب القضاء عليها كما صمدت سوريا..ويؤكّد أوليفي روا على كلمة سوريا الآن باعتبار أن أهم ورقة يلوّح بها الأسد اليوم هو تأييد غالبية الشعب له وهو دان لهم بذلك في خطابه الأخير..
يقول أوليفي روا بأن العالم وحتى القطب المتجمّد بات يعرف بشّار الأسد..وحينما يتساءلون متى سيسقط ولماذا لا يسقط يصبح الشخصية الأكثر انتشارا في العالم ، وهذه ميزة للأقوياء فقط..انتهى كلام أوليفي روا..

يعنيني هذا الكلام كثيرا حينما يصدر من خبير فرنسي بحجم أوليفي روا يعزز كل ما حاربنا بسببه عصائب الكراهية والعدوان على سوريا..يعنيني لأنّه قال بالحرف ما قلته منذ الوهلة الأولى وتكرر في كل وسائل الإعلام وشكّل محتوى كتابي: “ربيع الممانعة”..لا شيء تغيّر ولا رتوش دخلت على الموقف..السيناريو كما رأيته بالأمس هو اليوم لا شيء تغير..إذا كان ما سمي بالربيع العربي أنتج في نهاية المطاف ما لا يحتاج هنا إلى تفصيل، فإنّه تزامن مع انطلاق ربيع الممانعة الذي لم يلتفت إليه صناع البروباغوندا الرخوة والذي ارتقى بالأسد إلى زعيم بالمقاييس العالمية..قبل أن يظهر المسلحون سألني الصديق ألان كولفيتز مدير مركز الاستراتيجيات الدولية في فرنسا بعد أن كان عضوا في وفدنا الدولي إلى سوريا في 2011 إذا ما كانت سوريا ستسقط، مؤكدا على أنه يريد أن يعرف وجهة نظري تحديدا كمغربي لفت انتباهه تبرّمي منذ بداية نشاط الوفد، قلت له: لا أحد سيسقط هنا لا سوريا ولا الأسد..وكان الأمر قبل سنوات حين قلت له أيضا: إذا تطورت الأمور بشكل أكبر من هذا فستتحرك المقاومة في لبنان..أذكر أنه ردّ بالقول:ho..
تحدّثت عن ملامح بشار الأسد وعن دعم أغلبية الشعب له وعن الثأر وعن الأوراق التي يمتلكها الأسد وعن محاولة خصوم سوريا العرب والغربيين وعن محاولة الخروج بماء الوجه وأن ما يزعجهم هو كبرياء الأسد وانتصاره..كل ما قاله أوليفي روا اليوم قلناه منذ 7 سنوات مغ باقات من التحليل..وحينئذ كنا نعتبر من قبل دعاة الحرب على سوريا مبالغين أو خارجين عن النّص أو الإجماع بل وجد التّافهون الكثير مما يقولونه بربطه بخلفيات انتمائية وعقائدية أو ما شابه من ألوان التعسف وكذلك غياب أخلاقيات الاعتراف..لنتذكر بعض مقالاتنا منذ 2011،2012 و2013 :
إرث الكراهية للرئيس الأسد
إنها حرب إعلامية ضروس
بشار الأسد في كوميديا الإعلام العربي
حينما أصبح سقوط الأسد حلم يقظة
الهروب من الجحيم السوري
الحرب على سوريا انتهت
الاعلام العربي لا زال يكذب
سوريا والباب المسدود
الهروب الكبير من سوريا
هل هي مشكلة سوريا أم مشكلة العالم في سوريا
فوبيا الانتصار السوري
حبن قالوا: الاسد معزول
فشل خصوم سوريا
الأسد باقي ومرسي تزحلق من الكرسي
في الختام: سوريا انتصرت
الانتخابات والضربة القاضية
اعتقدنا أنّ ما كان من الحرب على سوريا لم يعد سوى حرب استنزاف منذ سنوات، بينما أعلنّا انتصار سوريا قبل سنوات بهذا اللّحاظ، أي حينما أدركنا بأنّ الأوراق التي تحتفظ بها سوريا ستحول دون اتخاذ أي قرار منفرد بالحرب..لقد صبوا على سوريا من كل جحافل الإرهاب وباتت القضية تتعلق بثأر شخصي وما سميته بحلم يقظة إسقاط الأسد..وحين جاءت الانتخابات الرئاسية كان الأمر بمثابة منعطف جديد في تاريخ الانتصار السوري..ستخرج سوريا منتصرة وسيبسط لرئيسها البساط الأحمر وستخرج دولة قوية في المنطقة..
ستمر سنوات وسيعترف المسؤول القطري بطبيعة المؤامرة ضدّ سوريا..لكن التّفاهة ذاتها استمرت في وسائل الإعلام الهارب نحو المجهول..حاول خصوم سوريا أن يستعملوا مغالطة “لاشعبية” الأسد عن طريق معارضة “لاشعبية لها”، عوّضوا هشاشتها بالحملة الإعلامية الضارية قبل أن تظهر الحقيقة المرة التي لن يستسيغها خصوم سوريا أبدا، ألا وهي: أنّ أغلبية الشعب السوري تؤمن بسوريا-الأسد…
انضمّ أوليفي روا إلى عدد من الخبراء الذين أدركوا حقيقة ما يحدث..وهو يدرك أنّ إنصاف الأسد في فرنسا أشبه ما يكون بالتشكيك في المحرقة..إنه إنصاف مرفوض قد يسبّب العزلة ويجلب الكراهية..لقد أكّد أوليفي روا بطريقة أخرى على أنّ من تمادوا في كراهية الأسد هم مثال آخر عن الجهل المقدّس..فلقد استعملت في الحرب على سوريا والكراهية للأسد أساليب الجهل المقدّس تارة باسم الديمقراطية وتارة باسم الخلافة..التقى أطياف الجهل المقدّس على إجماع مرذول ضدّ سوريا، وهم اليوم في حالة هروب يشبه حالة الحمر المستوحشة التي فرّت من قسورة..أو لنقل فرّت بالعلاّفة..
ادريس هاني:

عن prizm

شاهد أيضاً

التنمية بعيدا عن التبعية حلم بعيد المنال..!

4 تشرين الأول 2023 د.محمد سيد أحمد* ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن التنمية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *