الرئيسية / الملف السياسي / الوطن العربي / المقاومة هي الخيار الاستراتيجي

المقاومة هي الخيار الاستراتيجي

خميس بن عبيد القطيطي
بادئ ذي بدء نحيي أولئك العظماء في تاريخ أمتنا العربية الذين نقشوا أسماءهم بأحرف من نور، ولولا نضالهم ودماؤهم الزكية ما نالت هذه الأمة استقلالها وتحررها من رجس الاستعمار، وهكذا هو التاريخ ينتقل بمسلماته وبديهياته من عصر إلى آخر ليؤكد تلك الحقيقة الأزلية الثابتة والمبدأ الراسخ أن الأمم والشعوب لا يمكن أن تفرط في ثوابتها ومبادئها طالما أرادت البقاء تحت ضوء الشمس وهذه حقائق لا تقبل التشكيك، كما أن التعايش والتمازج الحضاري والإنساني هي أيضا حقيقة مسلمة وثابتة ولكنها تعتبر حالة مختلفة لها معطياتها الخاصة في كل زمان ومكان ولا يلغي أحدهما الآخر، ولسنا هنا بصدد الحديث عن التعايش الحضاري والتبادل الإنساني بين الأمم والشعوب فهناك عدد من المنظرين والكتاب تحدث عن حوار الحضارات، ولكن أردنا الاستدراك بهذا الموضوع خشية الربط الخاطئ بين المفهومين أو الاعتقاد أن أحدهما قد يلغي الآخر .
إن المقاومة كمفهوم بشري ومبدأ إنساني ثابت في العلاقات بين الأمم والشعوب لن يظهر إلا في حالات الاعتداء على حقوق الآخرين، وطالما كان هناك اعتداء أو احتلال لأراضي الغير لا بد من المقاومة لإزالته أو استخدام أسلوب الردع وتوظيف ورقة المقاومة للتخلص من ذلك الاحتلال، ومن يراهن على المفاوضات والعملية السياسية السلمية دون توظيف لورقة المقاومة فلن يحقق شيئا ولنا في التاريخ عبرة لمن يعتبر.
وعودا إلى موضوع الردع والمقاومة في الحالة العربية نجد أن خير مثال على ذلك هو الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب من جنوب لبنان في عام 2000م يمثل عملية حسابية دقيقة للإسرائيليين بعد تحمل تكاليف وخسائر فادحة من خلال وجودهم في مرمى المقاومة اللبنانية، وخلال حرب الاستنزاف 1968/1970م عرضت إسرائيل على الزعيم جمال عبدالناصر عقد اتفاقية سلام مقابل الانسحاب من سيناء، وتكررت تلك العروض على أكثر من وجه بسبب التكاليف الباهظة لحرب الاستنزاف، وفي كل مرة كانت تواجه الرفض من قبل الرئيس جمال عبدالناصر لأنه لم يكن يتحدث عن سيناء المصرية وحدها، بل كان يقول الجولان والقدس وقطاع غزة أولا، وهذه الحقائق وردت على لسان أقطاب السلطة في إسرائيل والولايات المتحدة أنفسهم. والسؤال هنا: لماذا جنحت إسرائيل للسلام في ذلك الوقت؟ ولماذا انسحبت من جنوب لبنان دون قيد أو شرط؟؟ الجواب هو المقاومة والردع.
وفي الحالة الفلسطينية التي ما زالت تتصدر القضايا العربية في ضمائر جميع الشعوب العربية نجد أن الأنظمة العربية تدور حول هذه القضية منذ نشأتها في 29 نوفمبر 1947م حيث قرار التقسيم الأممي، بل منذ ما قبل هذا التاريخ والشاهد التاريخي حاضر بكل تفاصيله منذ بداية الانتداب البريطاني ثم وعد بلفور 2 نوفمبر 1917م، مرورا بجميع الثورات والانتفاضات الفلسطينية والمجازر التي حدثت، والترهيب الذي طال أبناء القرى الفلسطينية والهجرات القسرية لأبناء فلسطين تمهيدا لاحتلال الأرض من قبل عصابات الهجاناه والأرجون الصهيونية في خطة عملية مدبرة لاحتلال فلسطين. وبلا شك يدرك النظام الرسمي العربي تلك الحقائق، ولكنه يقف عاجزا أمامها؛ فالوضع يزداد سوءا كلما تقادم الزمن، لا سيما مع الصعوبات والمعوقات التي تواجه بعض الأنظمة العربية في الداخل والخارج وحالة عدم الثقة والانقسام بين العرب أنفسهم طوال العقود الماضية والتي تطورت إلى مواجهات عسكرية في بعض الحالات، لذلك لم يحقق العرب شيئا يذكر في القضية المركزية الفلسطينية، وبقيت هذه القضية معزولة وزاد من عزلتها توقيع بعض الاتفاقيات الثنائية مع الكيان الإسرائيلي الغاصب بدءا من اتفاقية كامب ديفيد مع الجانب المصري عام 79م واتفاقات أوسلو مع السلطة الفلسطينية عام 93م واتفاقية وادي عربة 94م مع الجانب الأردني، كل تلك الاتفاقيات لم تقدم جديدا للقضية الفلسطينية، بل زادت من عزلتها، وأبعدت دولا محورية عن القضية الفلسطينية وبالذات اتفاقات أوسلو التي مثلت خيبة أمل فلسطينية ولم تحقق شيئا في جميع القضايا الرئيسية كمسألة الحدود وعودة اللاجئين وقضية القدس، وموضوع الدولة الفلسطينية والمستوطنات، بل زادت وتيرة الاستيطان وضيقت إسرائيل الخناق على أبناء الشعب الفلسطيني، واستمر عدوانها على الفلسطينيين من خلال الاجتياحات المتكررة وحملات الاعتقالات والاغتيالات، وهنا نتساءل: ماذا حققت تلك العملية السياسية والمفاوضات العبثية سوى خيبة الأمل للقضية الفلسطينية برمتها؟.
لقد سبق أن وجهنا نداءنا للقوى الوطنية الفلسطينية بإنهاء حالة الانقسام التي لم تزد القضية الفلسطينية إلا تشظيا وتراجعا، وكان ينبغي على العرب بذل مزيد من الجهود في إنهاء حالة الانقسام، وإطلاق مبادرات وجهود أخرى تضاف إلى الجهود المبذولة سابقا من أجل تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية، ويجب أن يدرك الفرقاء الفلسطينيون أنه لا يمكن الوصول إلى نجاح باستمرار حالة الانقسام، وهذا الموضوع يضع القضية في حالة تراجع دائم؛ فالعدو ينطلق من قاعدة “فرق تسد”، ونرجو أن يدرك أطراف الخلاف الفلسطيني تلك الحقيقة أن كانت لديهم نوايا صادقة تجاه قضيتهم وقضية العرب جميعا، فالمصالحة هي الخطوة الأولى التي لا بد منها، ونأمل ألا تكون هناك رغبة فلسطينية في استمرار حالة الانقسام .
ونعود للتأكيد أخيرا أن المقاومة هي المعيار الحقيقي والرهان الاستراتيجي لأي أمة إن هي أرادت الحياة، وأدبياتنا العربية حافلة وزاخرة بفكر وثقافة المقاومة، وما حدث في السنوات الماضية في لبنان وغزة يؤكد أن المقاومة تحقق تقدما لافتا أيضا، كما أن لنا في سوريا قلب العروبة النابض مثالا حيا على هزيمة المشروع المعادي، وبالتالي فإن المقاومة تمضي في طريقها المشرف مما يبعث الطمأنينة في الجماهير العربية ويجدد الأمل الحي في الانتصار وإن طال انتظاره، والمقاومة الفلسطينية البطلة ما زالت تملك ذلك الرهان، رغم حالة الوهن العربي ورغم الانقسام الحاد بين الأطراف الفلسطينية.

المصدر: جريدة الوطن العمانية

عن prizm

شاهد أيضاً

التنمية بعيدا عن التبعية حلم بعيد المنال..!

4 تشرين الأول 2023 د.محمد سيد أحمد* ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن التنمية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *