الرئيسية / الملف السياسي / فلسطين المحتلة / طوفان الأقصى.. الرابحون والخاسرون

طوفان الأقصى.. الرابحون والخاسرون

18 تشرين الأول 22023

أحمد الدرزي

على الرغم من عدم انتهاء العمليات العسكرية، بين المقاومة الفلسطينية و”الجيش” الإسرائيلي، بعد الحرب التي اندلعت، في إثر مبادرة حركة حماس إلى الهجوم، لأول مرة، داخل فلسطين المحتلة، فإن نتيجة هذه الحرب حُسمت في الساعات الست الأولى من عملية “طوفان الأقصى”، وأن كل العمليات العسكرية المستمرة حتى الآن ليست سوى محاولات لتقليل حجم الهزيمة الكارثية على الكيان.

تؤكد طبيعة التعاطي الغربي مع الحرب المستمرة حتى الآن أنه أمام مرحلة صعبة جداً، فهو في السياسات الإعلامية والعسكرية والحقوقية والقانونية، يتعاطى مع الحرب كونها حرباً على نظام الهيمنة وحيدة القطب، واستهدافاً مباشراً للأورو المركزية، وبالتالي فإن هزيمة هذا الكيان، كنتيجة لقدرة المقاومة، على تحطيم المشروع الغربي، وتسريع عملية تأكُّله الداخلي، ستعني نهاية القطب الواحد. ويكفي أن نشهد انحسار الاهتمام بالحرب في أوكرانيا، وفي تايوان والصراع مع الصين، واندفاع المسؤولين الأميركيين بكثافة إلى حماية الكيان من نفسه ومن المقاومة، ومنع توسع الحرب، التي يمكن أن تتعاطى معها كمقدمة لحرب عالمية ثالثة، وليست إقليمية.

وفي مقابل الغرب الموحد خلف الولايات المتحدة، هناك عالم جديد قيد التشكل، وما زال في مرحلة بناء التوافق على الأهداف، وعلى الأطر الجامعة والناظمة له، وعلى المواقف تجاه الأحداث العالمية، فتباينت مواقف دوله، بين الصمت والانتقاد لـ “إسرائيل”، أو موقع التنديد بالمقاومة، كما فعلت البرازيل، في خطوة مفاجئة لخطها العام السابق، قبل استلام اليمين الحكم، أو عبر موقف الهند التي اصطفت مع “إسرائيل”، ليتبين أن العالم أجمع تحول إلى حالة الميوعة، في انتظار نتائج نهاية الصراع الدولي المستمر، في أشكاله العسكرية والسياسية والاقتصادية.

تُظهر خلفيات المواقف السياسية للدول والقوى السياسية الدوافع الحقيقية التي دفعتها من أجل تحديد تموضعها تجاه حرب “طوفان الأقصى”. وتقترن أغلبية هذه المواقف بحجم الأرباح أو الخسائر، الناتجة من الاصطفاف المُسبق، وهي في ثلاثة مستويات مترابطة فيما بينها، ولا تخلو من التباين في بعض الأحيان.

الرابحون والخاسرون في فلسطين

أصبح من الواضح أن الخيار الوحيد للشعب الفلسطيني، من اجل انتزاع حقوقه في التحرير والعودة، هو خيار المقاومة المسلحة، بعد تجربة سلطوية فلسطينية، مُضيِّعة ما تبقَّى من أراضي الضفة الغربية. وأصبحت المقاومة الفلسطينية، بفصائلها المتعددة، والتي تقودها حركة حماس من الناحية الفعلية والواقعية، هي الرابح الأكبر على مستوى الواقع الفلسطيني، وتحضنها أغلبية الشعب الفلسطيني، الذي تابع كيف ضيَّعت سلطات أوسلو حقوقهم، وأصبحت ذراعاً إسرائيلية، لتحقيق أمن الكيان، والبديل المحلي من كل الجرائم.

ونتيجةً لهذا الانتصار، فإن هناك انحساراً شديداً لظاهرة السلطة الفلسطينية، في مقابل صعود حركة حماس، ممثلاً حقيقياً للشعب الفلسطيني، بعد أن تجاوزت بفعلها، بشراكة الجهاد الإسلامي، البعد المحلي، لتصبح قوة إقليمية لا يمكن تجاوزها في أي مفاوضات، وهي تستطيع أن تفاوض بالأصالة عن الشعب الفلسطيني، وهي في هذا الموقع المؤثر، تحولت إلى قوة إقليمية، مثلها مثل حزب الله بعد حرب تموز/يوليو 2006.

الرابحون والخاسرون على المستوى الإقليمي

تُعَدّ مصر وتركيا والإمارات من أكثر الدول خسارةً في هذه الحرب، بفعل المواقف التي اتخذتها تجاه نتائج الحرب، وإن تباينت فيما بينها في حدة الموقف، بحيث كانت مصر هي الأقل حِدَّة، بينما كانت الإمارات هي الأكثر حِدَّة في عدائها للحرب ولفلسطين، ومُؤازرة الاحتلال. وتباينُ مواقف هذه الدول نابع من مدى ملاءتها الاقتصادية، وقدرتها على مواجهة التهديدات الاقتصادية، ومن الطبيعي أن تكون هناك خسائر لهذه الدول، من ناحية الأدوار الإقليمية، التي سيعاد رسمها وتحديدها، بعد انتهاء الحرب، والتي سيرسمها المنتصرون.

بينما ما زالت السعودية تنتظر تحديد خيارها النهائي، فهي بعد أن سارت في خطوات متسارعة، بالتطبيع مع هذا الكيان، خلال الأشهر الماضية، بعد أن سيطر عليها الحذر، وهي الآن في موقع المتردد، وإن عادت إلى رفع سقف مطالب التطبيع، ورفضت مع مصر عمليات تهجير أهل غزة إلى مصر، وقامت بإذلال بلينكن، وزير الخارجية الأميركي، بتأخير استقبال ولي العهد السعودي له، فإن المكاسب المتراكمة كدور إقليمي، ترتبط بنوعية السياسات والمواقف، التي ستتخذها خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، وخصوصاً ما يتعلق بعلاقاتها وتحالفاتها الإقليمية والدولية، وقدرتها بالابتعاد عن مركز التأثير الأميركي، والذهاب نحو تعميق علاقاتها بإيران، والمساهمة بشكل واسع لإخراج سوريا واليمن من دائرة الحرب والعقوبات. والأهم من كل ذلك، هو تبنيها ورعايتها للمقاومة، ففلسطين هي من تمنح الأدوار في غربي آسيا وشمالي أفريقيا.

أثبتت إيران أنها أصبحت اللاعب الأساسي في المنطقة، فهي التي تستطيع أن تحدد من هم الرابحون، ومن هم الخاسرون، من خلال اصطفافها مع قوى الشرق ومعارضتها للولايات المتحدة الأميركية.

فهي الآن في الموقع المُرجح بين القوى الآسيوية الصاعدة، والقوى الغربية المتراجعة، وهي اختارت قوى الشرق، بعد تجارب مريرة، إن كانت مع بريطانيا منذ عام 1928 حتى عام 1953 وإسقاط حركة مصدق الوطنية المناهضة لبريطانيا، أو بعد الثورة عام 1979 حتى الآن. وهذه التجارب المريرة ثبَّتت واقعاً جديداً، على رغم الانقسام الداخلي الواضح، بين الانزياح الكامل نحو الغرب، وحياته الجميلة، كما يتصورها البعض، وبين علاقات الشراكة مع قوى الشرق الآسيوي الناهض.

منحت حرب طوفان الأقصى مزيداً من الأدوار الإقليمية لإيران، فالمفاوضات الأميركية والغربية معها، للتأثير في حلفائها في لبنان وسوريا والعراق واليمن، لمنع توسع الحرب نحو الحرب الإقليمية، بالإضافة إلى وقوفها السابق والمستمر مع حركة حماس، وكل حركات المقاومة، جعلتها بمثابة المظلة الإقليمية لكل هذه القوى، وخصوصاً بعد انحسار الدور السوري، في إثر الحرب المدمرة، والمستمرة منذ عام 2011 حتى الآن.

الرابحون والخاسرون على المستوى الدولي

بالإضافة إلى الولايات المتحدة ودول الغرب عموماً، التي ستُعَدّ من أهم الخاسرين، فإن الهند، في خيارات سياسييها المتطرفين، بقيادة رئيس الوزراء مودي، تُعَدّ من أكثر الخاسرين. وعلى الرغم من علاقاتها المميزة بروسيا، فإن رهاناتها على العلاقة بالغرب لمواجهة الصين دفعتها إلى سياسات لا تصبّ في مصلحتها، فهي أول طرف دولي خاسر بعد الحرب، بعد أن تعقّد المشهد في غربي آسيا، فأصبح مشروع الممر الشمالي، كما أطلقت عليه الولايات المتحدة تسميته، في مهب الريح، بعد أن سارت به خطوات متعددة، منذ أن اشترت مجموعة “أداني” الهندية ميناء حيفا عام 2022، بمبلغ 1.3 مليار دولار، وهي الآن خسرت موقع الصراع مع “مبادرة الحزام والطريق”، بهزيمة “إسرائيل” للحرب، وبروز مخاطر أمن الممرات، بالإضافة إلى غموض موقف السعودية، وهي الشريك الأهم والمركزي به.

تُعَدّ كل من الصين وروسيا من أهم الرابحين الدوليين، فنتيجة الحرب وهزيمة “إسرائيل” تُعَدّان بالنسبة إلى الطرفين بمثابة هزيمة للنظام العالمي القديم، الذي أوجد هذا الكيان، على الرغم من اعترافهما بـ”إسرائيل”.

ستوفر الحرب للطرفين دوراً أساسياً في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب، وفقاً لمعادلات جديدة، تتيح لهما الضغط على الولايات المتحدة، كي تكون الدولتان شريكتين فاعلتين، لإيجاد حلول متوازنة للقضية الفلسطينية، وفق رؤيتيهما، وهذا بطبيعة الحال سيسمح لهما بتعبئة الفراغ الناجم عن الانكفاء الأميركي في غربي آسيا.

ويبقى السؤال المهم للسوريين: هل ستكون سوريا من الرابحين؟ هذا الأمر بلا شكَّ، لكن ذلك يحتاج إلى تفصيل أوسع، سأبيّنه في المقال اللاحق.

عن Amal

شاهد أيضاً

الحرب على قطاع غزة أمام لحظة فارقة…

21 شباط 2024 أنطوان شلحت ليس من المبالغة القول إن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، …