الرئيسية / الملف السياسي / خطوات قد تكون مصيرية: استيطان غزة وجيش المستوطنين في الضفة

خطوات قد تكون مصيرية: استيطان غزة وجيش المستوطنين في الضفة

25 كانون ثاني 2024

أمير مخول

اجراءان يحدثان هذه الايام بضغط من المستوطنين وممثليهم في الحكومة والكنيست قد يفاقما جوهريا الواقع في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، بل يشكلان أُساسا لفرض الامر الواقع ولجوهر التصور الاسرائيلي الحقيقي لما يسمى “اليوم التالي للحرب”؛ في قطاع غزة وفي الضفة الغربية المحتلة؛ الاول، هو الحراك الشعبي والرسمي القوي لإعادة استيطان قطاع غزة؛ الثاني، هو تسليح المستوطنين في الضفة بصواريخ مضادة للدبابات.

1. تزويد المستوطنين بالصواريخ
تأتي الخطوة بناء على مطالبة الجهات السياسية وحصريا من قبل سموتريتش وحزبه والليكود ومن المستوطنين، ويتم تسويغ هذا الاجراء بالعودة الى السابع من اكتوبر وصعوبة استهداف المقاتلين الفلسطينيين وهم يقتادون سياراتهم رباعية الدفع، وكذلك نظرا للعمليات التي تحدث في الضفة الغربية من خلال اطلاق النار من سيارات مسرعة على الطرق الرئيسية، بينما اعتبر الناطق باسم الجيش أن هذه الخطوة التسليحية تندرج في اطار برنامج “ترميم الروح” لقوات الطوارئ المحلية في كل مستوطنة، والتي يسعى الجيش وفقا للناطق باسمه الى تعزيزها بالتدريب والاسلحة.
سوف يتحمل قائد وحدة الطوارئ في كل مستوطنة مسؤولية صيانة واستخدام هذه الصواريخ وبالتنسيق مع الجيش، لاستهداف سيارات على الشوارع الرئيسية وعن بُعد يعتقد بأن فلسطينيين من منفذي عمليات يقودونها.
فعليا يتم تحويل وحدات الطوارئ في المستوطنات من مهام كانت أقرب الى الشرطة الجماهيرية، الى قوات شبه عسكرية ويقوم الجيش بتدريبها ليشكل تسليحها المتطور خطوة نحو تحويلها الى ميليشيات عسكرية بروح استيطانية. بطبيعة الحال، معظم هذه الوحدات ستكون منصاعة الى فتاوى حاخامات الاستيطان من الصهيونية الدينية أكثر منه الى الجيش، والذي باتت اهم وحداته في الضفة الغربية (نيتسح يهودا) مشكّلة من جنود وضباط من تيار الصهيونية الدينية. سوف يملك المستوطنون عمليا قدرات عسكرية رسمية تتيح لها قصف اهداف فلسطينية مدنية عن بُعد في معظم مناطق الضفة الغربية.

2. استيطان غزة والمنطقة العازلة.
في تغريدته عشية بدء جلسات محكمة العدل الدولية صرح نتنياهو: “ليس لدى اسرائيل النية في احتلال غزة بشكل دائم ولا تهجير الفلسطينيين”، وهي تغريدة بحاجة الى تفكيك وحصريا حين يستخدم نتنياهو مفردات تتعلق بـ “النية” و”بشكل دائم”، “والتهجير”؛ وفي تصريح سابق له أكد ان الاستيطان في غزة “غير واقعي”، وبموازاة ذلك شدد أكثر من مرة على “الخطأ الاستراتيجي” في قرار شارون الانسحاب تفكيك المستوطنات في غزة وشمال الضفة عام 2005.
ومن دروس التلريخ غير البعيد فقد بدأ المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية مباشرة بعد احتلال 1967، حيث تم في جنوب الضفة اقامة مستوطنة “كفارعتسيون” بقرار حكومي في شهر ايلول سبتمبر 1967، تبعت ذلك كريات أربع في الخليل والتي بدأت بمبادرة طلائع الحركة الاستيطانية ذوي النزعة الصهيونية – دينية.
وفقا لموقع “مكور ريشون” الصهيو-ديني بتاريخ 10/12/2015 فإن شمعون بيرس وزير الامن في حكومة رابين الاولى في اواسط سنوات السبعين كان المساند الاول علنا وسرا لجهود المستوطنين، وتشيد بإسهامه الكبير في وضع الاسس للمشروع الاستيطاني. وذلك بنقيض رئيس حكومته يتسحاك رابين الذي أصر على إخلاء البؤرة الاستيطانية “كدوميم” وهي لاحقا “ألون موريه” والتي تحولت بفضل شمعون بيرس (الحائز على جائزة نوبل للسلام لاحقا) على اراضي سبسطية المحاذية لنابلس، ومن هذه الخطوة تراجعت حكومة رابين وبدأت حملة استيطان متسارعة في شمال الضفة الغربية قادتها حركة “غوش ايمونيم” الاستيطانية حديثة العهد آنذاك، وفي غالبيتها بدأت ضمن ما يطلق عليه “بؤر استيطانية” او “المستوطنات الفَتيّة”، ليتم فيما بعد تسويتها قانونيا بعد فرض الامر الواقع.
تؤكد حركة سلام الان من خلال رصدها الميداني بإن البؤر الاستيطانية تقام منذ العام 1996 بتوافق حكومي للالتفاف على التزام اسرائيلي انذاك بعدم اقامة مستوطنات جديدة، وتجري قوننتها ومدّها بكل مقومات السكنى والبنية التحتية، ويطبق عليها “البؤر الاستيطانية الفَتيّة”. ووفقا للحركة و”الادارة المدنية” الاحتلالية فإن عدد هذه المستوطنات الناشئة يبلغ 99 مستوطنة 80 منها مقامة بالكامل او جزئيا على اراض فلسطينية خاصة، و9 مستوطنات ناشئة اقيمت عام 2023.
فعليا، حيثما كان الاحتلال تبعه الاستيطان، وهذا ما حدث في سيناء لغاية العام 1979 والتي تم اخلاؤها وهدمها في اعقاب اتفاقات كامب ديفيد، وانتقل قسم كبير من سكانها الى مستوطنات قطاع غزة، التي رافقت الاحتلال ايضا بعد عام 1967، وكذلك في الجولان السوري المحتل والذي اقرت اسرائيل ضمّه في العام 1980. الا ان هذه الظاهرة ليست مميزة لاحتلال 1967 بل شكلت ركيزة من ركائز المشروع الصهيوني في فلسطين والذي اعتمد السيطرة على الارض وكذلك زرع المستوطنات في اقصى المناطق التي وقعت تحت سيطرته واعتماد المناطق الحدودية ليشكل الاستيطان حدودا لإسرائيل، هكذا في منطقة غلاف غزة والنقب الغربي وهكذا على الحدود الشمالية مع لبنان. في العام 2005 قامت حكومة ارئيل شارون ومن منطلقات الامن القومي الاسرائيلي بتفكيك مستوطنات قطاع غزة واخلاء سكانها وكذلك مستوطنات شمال الضفة، وقد سن الكنيست قانون الانفصال عن هذه المناطق وهو القانون الذي تم سن قانون بإلغائه من قبل الائتلاف الحالي في اذار مارس 2023، لتتجدد حركة الاستيطان في هذه المناطق والتي لم تهدأ يوما منذ العام 2005.
ترى دانييلا فايس وهي من أبرز قادة الحركتين الاستيطانيتين “نحلاه” و”غوش ايمونيم” بأن الوضع الحالي هو الامثل للتخلص من “وصمة عار الانفصال” وإعادة استيطان قطاع غزة “باعتباره جزءا من ارض اسرائيل”، وتقف اليوم في طليعة المبادرين للاجتماع التأسيسي تحت مسمى “مهرجان انتصار اسرائيل” لإعادة استيطان غزة والذي سيعقد في “مباني الأمة” في القدس مساء الاحد 28/1/2024. وتؤكد فايس تعاظم المطالبة الشعبية “لتجديد الاستيطان في أرض غزة بعد مذبحة 7 اكتوبر الرهيبة” وبأن “الانتصار في الحرب يتطلب استيطانا يهوديا في ارض غزة” وسيعلن في المؤتمر الذي ستشارك فيه 38 منظمة وحركة، بأن الالاف قد انضموا الى الأنوية الاستيطانية وقد أعدوا المخططات والخرائط من اجل التنفيذ”. وتحظى هذه المبادرة بدعم مطلق من حزبي الصهيونية الدينية (سموتريتش) والقوة اليهودية (بن غفير) اضافة الى العديد من قادة الليكود من وزراء واعضاء كنيست الذين يدعمون المبادرة علنا ويدعون الى انجاحها.
وفقا لتقديرنا وبناء على التجربة الصهيونية الاستيطانية التاريخية، فإن هذا المشروع الاستيطاني قابل للتنفيذ نظرا لإطالة امد الحرب والاجتياح العسكري الاسرائيلي في قطاع غزة والذي بدأ يتحول فعليا الى احتلال متواصل، وقد بدأ الجيش بإقامة منطقة عازلة عمقها كيلومتر واحد وقد تتسع على طول الحدود داخل قطاع غزة. كما انه يتساوق مع النوايا الحكومية بطرد سكاني فلسطيني من غزة وإبقاء السيطرة وقطع التواصل الجغرافي بين شمال غزة وجنوبها ومنع عودة النازحين، ليكون مشروع الاستيطان المتجدد هو اولى مقولات “اليوم التالي” للحرب وفقا لحكومة نتنياهو، حتى وان اعتبر نتنياهو الفكرة في شهر 11/23 بأنها غير واقعية، لكن يتضح انها باتت مشروعا متكامل الاركان يحظى برضاه وحكومته حتى وإن أعلنوا خلاف ذلك.

خلاصة:
استدامة الحرب على غزة والشريط الحدودي وبتر الشمال عن الجنوب والدفع نحو التهجير اضافة الى تصدر التيار الاستيطاني الصهيو- ديني، تشكّل مجتمعةً الارضية التي تدفع بها قوى سياسية حاكمة نحو استيطان قطاع غزة.
لا توجد كوابح في الحكومة تحول دون التقدم في المشروع الاستيطاني في غزة. ولن يكون وضع تقرر الحكومة اقامة بؤر استيطانية لكنها معنية بذلك التفافا على الضغوطات الدولية، وتشكل الحكومة الحالية الأفضل بالنسبة للمستوطنين.
الربط الاسرائيلي وثيق بين الحرب على غزة والتصعيد الاحتلالي في الضفة الغربية، وتنبثق السياسات من نظرة منظوماتية واحدة للشعب الفلسطيني وسعيا للحسم.

المصدر: مركز التقدم العربي للسياسات

عن Amal

شاهد أيضاً

إعلام إسرائيلي: كيف شارك كبار ضباط الجيش في إخفاق 7 أكتوبر؟

شباط 23 2024 صحيفة “معاريف” تتطرق إلى دور ضباط خدموا في مناصب عليا في الجهازين …