الرئيسية / الملف السياسي / فلسطين المحتلة / يانون بروفا الاقتلاع الجديد !!

يانون بروفا الاقتلاع الجديد !!

يانون بروفا الاقتلاع الجديد !!

عصام بكر
مرور الكرام مر خبر قيام المستوطنين بالاستيلاء على اراضي جديدة في بلدة يانون خمسة عشرة كيلو متر الى الجنوبي الشرقي من نابلس قبل عدة ايام ووضع كرفانات فيها ، وخزانات مياه ومعدات اخرى ، والتأسيس لبؤرة على اراضي القرية ، ولم يحظى الخبر بتغطية اعلامية كبيرة ولم يصدر تقريبا تعقيب يذكر من الجهات الرسمية ، ربما بسبب اتساع حجم المصادرات ، واعتداءات المستوطنين اليومية ، وقيامهم بالاستيلاء على الاراضي في معظم المناطق في الضفة الغربية ، فغدى الامر وكأنه يندرج في سياق الروتين اليومي المزاول ضمن الظواهر الاعتيادية للحياة فيها ، او ريما لانشغال المستوى السياسي بتصريحات وتهديدات ليبرمان ضد القيادة الفلسطينية ان هي واصلت سعيها لتقديم طلب الدولة غير العضو في الامم المتحدة ، ولكن بكل الاحوال يتوجب ان تحظى هذه القضية بالاهتمام شانها شان كل القضايا الخطيرة التي تعصف بالساحة الفلسطينية مؤخرا وهي لا تقل اهمية عن اي قضية من تلك القضايا التي تصنف انها من الاولويات فيانون ومسافر يطا والخرب القريبة منها جنوب الخليل باتت عنوانا مهما من عناوين سوف تستخدم في حال استمرار الوضع لتضاف للمصطلحات المتصلة بما يعرف بالاجتثاث ، فما يجري فيها هو التطبيق العملي لمحو الهوية والوجود العربي الفسطيني بكل ما تعنيه الكلمة من معنى .

ويانون لمن لا يعرف لها قصة طويلة مع الاستيطان وتاريخ يمتد لسنوات ويختلف باختلاف التفاصيل والنتائج وان تقاطع في العديد من النقاط الاخرى التي يمثلها الاستعمار الاستيطاني لبلادنا فقصة يانون التي كانت مسرحا لصولات من الاعتدءات وكانت احدى فصول هذا الاستيطان منذ بداية الصراع على هذه الارض ، تمثل برحيل جميع المواطنين عن بلدتهم ، ومغادرة منازلهم وحقولهم وزرعهم ، القرية كلها “اجليت ” عن بكرة ابيها في العام 2002 معظمهم اقام ببلدة عقربا القريبة ولم يعود اليها منذ ذلك الوقت الا عدد قليل ومن يقطنها اليوم لا يتجاوز اصابع اليد ، غادروها قسرا بعد ان سممت ابار المياه ، واحرقت بيوتهم ، ومنعوا من زراعة ارضهم ، وقطف وجني محاصيلهم وثمار اشجارهم ، تعرض الاطفال والنساء والابرياء للترويع ، واقتحمت البيوت وسط اطلاق للنار داخلها ليلا ، سدت كل المنافذ في وجوههم واصبحت حياتهم باختصار جحيم لا يطاق كما وصف احد المزارعين في القرية الوضع الذي ساد في تلك الفترة ، كانت القرية في العام 2002 على موعد مع هجمة مختلفة حجما ونوعا اسفرت عن اخراج الناس الامنين من بيوتهم وترحيلهم بينما كانت الاجتياحات للمدن الفلسطينية بعد اندلاع الانتفاضة الثانية فكانت يانون مثلا وشاهدا على احدى فصول ” النكبة ” الجديدة ، وعلى موعد مع غلاة التطرف الذين عاثوا خرابا ، وحولوا حياة الناس البسيطة الى جحيم حقيقي ، ويانون التي تقارع الاستيطان منذ زمن بعيد تحتل اهمية كبيرة بالنسبة للاطماع التوسعية للاحتلال الهادف الى تفريغ الارض من اصحابها الشرعيين نظرا لموقها الجغرافي المميز فهي تطل على مناطق الغور ، ولخصوبة اراضيها الزراعية لولا المستوطنات الاربع التي تحيط بها كسوار اليد التي لم تبقي لاصحابها شيئا ومعروف عنها اي المستوطنات انها مصانع لتغذية الحقد والعنصرية والتطرف ، مستوطنة ايتمار الشهيرة من الجهة الغربية ومعها احدى البؤر التي ” فرختها ” تتفنن في خنق حياة الناس ، من قطع الاشجار ، الى سرقة المحاصيل ، وقد دفع ابناء القرية ثمنا غاليا باستشهاد او اصابة او سرقة محصول الزيتون على مدار السنوات القليلة الماضية ، ويتواصل المشهد الدامي ومعه تثبت وقائع على الارض تضفي تعقيدات اضافية ونوعية على اي مساحة لتدخل محتمل قد ينهي هذه المأساة فتصبح الحياة مع ذلك مستحيلة الاستمرار ، اما مستوطنة (جدعونيم ) المقامة على تلة من الجهة الشرقية الشمالية واقيمت عنوة عام 1997 ولها هي الاخرى نصيب كبير من ( حفلات) التنكيل والترويع ( المقدمة ) لسكان القرية الوادعة التي لا يزيد عددهم عن مئتي نسمة يعملون باغلبيتهم في الزراعة ، وتربية المواشي ، ثم مستوطنة “جفعات علام افري ران ” على اسم احد الحاخامين وتقع على الجهة الغربية للقرية التي تنفث هي الاخرى سموم البغضاء واحتراف الموت الذي ينشر الوجع المتواصل على مر عقود ، كلها اجسام غريبة تشوه حتى من جمالية المكان وتسد الافق امام اي امتداد ليس فقط بما يتعلق بالعمران والبناء بل والامتداد البصري لجمال الطبيعة الخلاب فيها جرى اغلاق منافذه امام اعين الناس واستبدل بعيون تحدق في المكان وتراقب حتى الانفاس هذه هي سمات الاستيطان الذي ينمو في بلادنا ليخلق واقعا فريدا من نوعه قل امثاله في العالم .

هذه المعطيات ايضا هي لقرية فلسطينية تمثل نموذجا صارخا لما يجري على الارض ولكنه في ذات الوقت حال القرى والارياف الفلسطينية وان بمنسوب اقل نظرا لفداحة الفاجعة التي تعيشها يانون وهي السابقة الاولى من نوعها ان تخلى قرية بكاملها منذ احتلال الضفة الغربية ، وتخضع لنفس السيناريو الذي يحكم العقلية الاستعمارية القاضي بقضم الاراضي ، ومحاصرة القرى والبلدات ، ومنع الناس من الوصول لاراضيهم ، اطلاق الخنازير البرية ، تدمير المزروعات والحقول ، تلويث البيئة بالمياه العادمة ، ومخلفات المصانع الكيماوية التي تنشر الامراض والاوبئة ، هذه احدى المراحل ثم في مرحلة اخرى يتم تنفيذ عمليات اقتحام واسع او جزئي لبعض القرى الصغيرة والنائية وترويع سكانها وصولا الى تعرض هذه القرى لمجازر ثم يجري اسدال الستار باقتلاع وتشريد اهلها والنتيجة تفريغ القرى ومغادرة اهلها تماما كما الافعى التي تختار فريستها ثم تهاجمها وتخنقها اولا ثم تبتلعها وتذيبها في داخلها .

ما يجري في يانون اليوم لا يعيد للاذهان فقط ولا يذكرنا باحدى فصول ما حدث العام 2002 وانما ايضا بما حدث عام 48 ، النكبة تكرر من جديد في سوسيا ويانون “بروفا ” حية يجري تنفيذها بمنهجية ووفق مخططات واضحة ضمن سلسلة عمليات التطهير العرقي ، لم يكن لدى ابناء القرية التي غادروها اي رغبة في هجر قريتهم ومزارعهم ، واغنامهم بل كانوا جميعا على موعد مع موجة جديدة اقوى مما مضى رغم صمودهم مطولا في وجه كل محاولات الاقتلاع على مدار سنوات من المعاناة والخوف وانعدام الامن الشخصي والمجتمعي ، فالصورة القاتمة التي علينا ان نراها ان معظم اراضي القرية صودرت ( مساحتها الاجمالية حوالي 17 الف دونم ) ، بالاضافة الى ان اكثر من 60% من الاراضي الرعوية مهددة بالمصادرة والسؤال المطروح ماذا تبقى لهم ليستمروا ؟؟؟ ومن كان معهم فعليا ليبقوا ؟؟ بعد ضياع كل شيء كما يقولون.

هذه الاسئلة تطرح تحديدا بعد خطاب الرئيس عباس قبل عدة ايام من على منبر الامم المتحدة داعيا العالم لكي لا تتكرر النكبة مرة اخرى ، مناشدا العالم لانهاء التراجيديا الفلسطينية المتواصلة منذ 64 عاما ، وهي تطرح ايضا بعد اتساع النقاش الداخلي حول اهمية بقاء السلطة او امكانية انهيارها التدريجي !!! ودور هذه السلطة في تثبيت صمود الناس فوق ارضهم ؟؟ لاسيما المناطق المصنفة “ج ” وبشكل خاص قطاع الزراعة ودعم المزارعين بمقومات البقاء والحياة ، وكيفية الاستفادة من وجود السلطة بما ينعكس بملامسة الحاجات الاساسية لحياة الناس ، وتوفير سبل العيش الكريم لهم ولمستقبل ابنائهم .

واذا كان الرد الاسرائيلي على خطاب الرئيس عباس حول تحمل المجتمع الدولي للمسؤولية لمنع تكرار النكبة ، بل واستجداء العالم للاعتراف بالكيان الفلسطيني الذي تفترسه وتنهشه انياب المستوطنات الجاثمة فوقها ، والتي تتمتع بصفات وتسميات متنوعة تبتدعها العقول الاسرائيلية فمنها ماهو “شرعي” والبؤر العشوائية ومنها “النمو الطبيعي” ومنها لاغراض “امنية ” وغيرها من المسميات الاخرى ، الرد على هذا الخطاب جاء سريعا ليس فقط في الامم المتحدة وتحدي نتينياهو للعالم باسره وليس في الخطاب الذي القاه بعنجهية المتغطرس حين دعى للعودة للمفاوضات المباشرة بدون شروط ، الرد تمثل ايضا ببناء البؤرة الجديدة في يانون ايذانا بتدشين مرحلة اخرى من مراحل الاقتلاع والتشريد التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني منذ ما يزيد عن القرن ، فالصفعة التي وجهها رئيس الوزراء الاسرائيلي للعالم هي الرد على رسائل الاسرة الدولية لتحقيق السلام في هذه المنطقة هو بالمزيد من الاستيطان في تناغم واضح بين اركان حكومة اليمين في اسرائيل وتقاسم للادوار حيث كان وزير الجيش باراك طرح في وقت سابق من الشهر الماضي خطة “للانسحاب ” احادي الجانب من بعض البؤر العشوائية اي بمعنى اخر فرض الحل من جانب واحد حل الغيتوهات والمعازل ، والابقاء على ما يعرف بالكتل الاستيطانية الكبرى بعد حسم موضوع القدس للابد وتقرير مصير ومستقبل الاراضي الفلسطينية من جانب واحد ودون حتى اية مفاوضات او اتفاق.

والمطلوب لمعالجة ذلك مع ادراك الجميع لاهمية القانون الدولي والدولي الانساني الذي اكد غير مرة ان الاستيطان كل الاستيطان غير شرعي ، وبني على ارض محتلة وهو ما اكدته ايضا فتوى لاهاي التي نصت على وحدة الاراضي الفلسطينية الجغرافية والسياسية بما فيها القدس وعدم مشروعية الاحتلال وتغير معالمها واجراءات الاحتلال فيها ، من هنا تأتي اهمية التوجه لاصدار قرار جديد او التوجه للمؤسسات الدولية الحقوقية لتأكيد المكانة القانونية للاراضي الفسطينية بصفتها ” محتلة ” من جهة وطلب الاعتراف بدولة فلسطين على جميع الاراضي التي احتلت في العام 1967 ضمن حملة واسعة دبلوماسية وسياسية واعلامية على نطاق العالم من جهة اخرى ، باعتبار ذلك يقع ضمن جهد الحد الادنى المطلوب للتحرك كعنوان لمرحلة تصاغ فيها استراتيجية عمل مغايرة شكلا ومضمونا .

اما على المستوى الداخلي ازاء هذا الوضع نطرح سؤال واضح حول امكانية عقد مجلس الوزراء جلسة له في يانون بين وتحت اشجارها المتبقية لرفع معنويات الناس فيها !! ولارسال رسالة ان القرية باقية ولن ترحل !! ولماذا لا يصدر قرار رئاسي او من مجلس الوزراء باعتبار القرية منطقة تطوير من الدرجة الاولى ، ومدها بكل مقومات الحياة مولد الكهرباء ، خزانات المياه ، دعم المزارعين بالمعدات والمواد الزراعية والاعلاف وغيرها ؟؟؟ وتنظيم الزيارات للمسؤولين على كافة المستويات والقيادات والفصائل للقرية وجعلها عنوانا للتحدي في عدم تكرار النكبة مهما كان الثمن ، لاعطاء الاحساس للقرية ان هناك من يقف معهم والى جانبهم !! لماذا لا يتم تنظيم زيارات للقناصل والممثليات المتواجدة لدى السلطة لاطلاعهم على نموذج حي لما سيحدث اذا انهار الامل في الوصول لحل ينهي معاناة وعذاب شعب تجرع الموت المميت على يد الاحتلال !!! لينقلوا لبلدانهم وشعوبهم ما رأت اعينهم من حرب ابادة تتعرض لها القرية بصفتها نموذجا متقدما لما يجري في مجمل الاراضي الفسطينية ، الاجهزة الامنية ودورها في توفير الحماية للناس لماذا لا تبادر للتواجد في القرية وليعتبر خرقا للاتفاقات التي داستها جنازير الدبابات في نفس العام الذي شرد اهل يانون من قريتهم عام 2002 ولم تحترم اسرائيل اي بند من بنود تلك الاتفاقات التي استخدمتها غطاء للمزيد من السيطرة على الارض وادامة احتلالها تحت يافطة السلام المزعوم .

اذا لم يتم التحرك فاننا خلال فترة قصيرة من الزمن سنكون شاهدين على اخلاء قسري اخر لقرية فلسطينية يسكنها اليوم عدد من الناس والطيور وبعض المواشي ولكن سيسكنها غرباء دخلاء لا يمتوا للمكان بصلة بعدها ايضا وسيمتد الحبل ليشمل وتنضم قرى اخرى للقائمة عندها ستتكرر النكبة مرتين !! وسيكون حال يانون حال القرى والبلدات الفلسطينية التي افرغت من سكانها ودمرت عام 48 واقيمت على انقاضها مستوطنات واصبحت اثرا بعد حين علينا جميعا تقع مسؤولية عدم تكرار النكبة بكل الجهود المتاحة وعلينا ان لا ندخر وسعا لانقاذ القرية ، فنجاحنا يحمل من الدلالات السياسية والوطنية الشيء الكثير ، واما الفشل لا سمح الله سيكون وبالا على رؤوس الجميع ، يانون غدت عنوانا من عناوين التحدي وعلى الجميع ان يتكامل في العمل لمد القرية الصغيرة بكل مقومات البقاء والحياة فهي اكثر من مجرد قرية مستهدفة بالاستيطان علينا شد الرحال اليها كي لا تكرر النكبة من جديد ولمنع وقوعها مهما كلف الثمن .

5/10/2012

عن prizm

شاهد أيضاً

الحرب على قطاع غزة أمام لحظة فارقة…

21 شباط 2024 أنطوان شلحت ليس من المبالغة القول إن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *