الرئيسية / الملف السياسي / الوطن العربي / “الجهاديين” التونسيين في سوريا: أرقام مفزعة، ومعلومات مؤسفة، وقصص موجعة

“الجهاديين” التونسيين في سوريا: أرقام مفزعة، ومعلومات مؤسفة، وقصص موجعة

“الجهاديين” التونسيين في سوريا: أرقام مفزعة، ومعلومات مؤسفة، وقصص موجعة

بقلم جعفر بن محمد

أولا: عددهم

هناك سبعة عشر ألف “جهادي” ( و”جهادية”) من الجنسية التونسية يقاتلون في سوريا.. ( نعم 17.000).. و هذا الرقم هو بحسب التقديرات الدقيقة للسفارة الجزائرية في دمشق، التي نشرتها صحيفة “الشروق” الجزائرية.

إلاّ أنّ بعض الصحفيين التونسيين يخفّضون هذا الرقم إلى اثني عشر ألفاً من التونسيين، (ذكوراً وإناثاً وشيباً وشباباً وأطفالا…) يقاتلون أو يتواجدون في المعسكرات المختلفة في سوريا و ليبيا وتركيا ولبنان و العراق… تحضيرا للانتقال “للجهاد” في سوريا

و يمثل عدد “الجهاديين” التونسيين في سوريا قرابة 40 بالمائة من مجموع عدد “الجهاديين” الأجانب الذين نقلوا إلى بلاد الشام لخوض حرب “دينية” فيها .. و يقدّر عدد هؤلاء “الجهاديين” الجملي بحسب الخبراء المختصين في متابعة عمل الجماعات “الجهادية الاسلامية” بـ أكثر من خمسين ألف مقاتل ، يحاربون في سوريا لوحدها ، لتقويض نظام الرئيس بشار الأسد.. و أكثر من الثلثين منهم يقاتلون في صفوف «جبهة النصرة» .. بحسب تقرير أخير أعدّته صحيفة “الشروق” التونسية ، يوم 12 مارس 2013

ثانيا: طرقهم و معاقلهم

يتوافد المقاتلون التونسيون ، كل يوم ، و بالعشرات عبر الحدود السورية، مروراً برحلة تجنيد وتدريب طويلة.. و وفق مصادر صحيفة «السفير» اللبنانية في عددها الصادر بتاريخ 18مارس2013، فإنّ هذه المجموعات الجهادية تقيم في ليبيا معاقل للتدريب في محافظة غدامس، التي لا تبعد إلا 70 كم عن الحدود التونسية، حيث يتلقى فيها هؤلاء الشبان بعض التدريبات العسكرية ثم ينتقلون إلى محافظة الزاوية ليستكملوا تدريباتهم لمدة 20 يوماً. ثم ينتقلون إلى ميناء البريقة للسفر منه إلى إسطنبول ، ومنها إلى الحدود السورية، حيث يُسلمون إلى «الجيش السوري الحر» و إلى «جبهة النصرة»ا

ووفقاً لتحقيق صحيفة «السفير» اللبنانية.. قد يكون لبنان وجهة أيضاً “لجهاديي” تونس إلى جانب تركيا.. ففي حال أراد “الجهادي” التونسي أن ينضمّ إلى «الجيش السوري الحر» في حلب أوالمدن الشمالية القريبة منها يذهب عبر تركيا.. أما إذا كان سيعبر إلى دمشق أو ريفها والمناطق المتاخمة فالأفضل أن يتوجه إلى لبنان

ثالثا : المموّلون والمقاولون و المتواطئون

بحسب الروايات التونسية المتواترة لذوي المغرّر بهم ، فإنّ دولة قطر تدفع مقابل كل تونسي يتم جلبه إلى سوريا مبالغ تتراوح بين 3 و25 ألف دولاراً أمريكيا ، أو ما يعادلها بالدينار التونسي

و بحسب صحفي تونسي من موقع “تانيت براس”، تحول إلى ليبيا و تركيا و سوريا في إطار تحقيقاته عن الموضوع، فإن بعض الجهات المنظمة التي تتخفّى تحت إطار “جمعيات دينية ذات طابع سلفي ” ( بل و حتى بعض المسؤولين التونسيين) ، هم مشتركون أو متواطئون في تنظيم هذه القوافل من الشباب الراغبين في “الجهاد” في سوريا

وتتهم أطراف عديدة حركة “النهضة” الاخوانية ، وزعيمها راشد الغنوشي ، بعلاقتهم بشبكات نقل المتطوعين وإمدادهم بوثائق سفر صحيحة أو مدلسة.. بما أن الأغلبية الساحقة منهم هم من المراهقين القُصّر ( الذين لم يبلغوا بعد السن القانونية للحصول على جوازات سفر شخصية) و لكنهم – رغم ذلك- غادروا تونس بوثائق سليمة في أكثر الأحيان، بل وبجوازات جديدة .. رغم أن أولياء أمورهم مثلاً استظهروا بوثائق سفر أبنائهم التي لا تزال صالحة للاستعمال.. مما يكشف حجم التورط الرسمي في تسهيل هذه “التجارة بالبشر” أو “سياحة القتال”ا

رابعاً: موقف الحكومة التونسية

خرج عدد من أهالي هؤلاء “المراهقين – الجهاديين” في تظاهرات مطالبين السلطات بإعادة أبنائهم.. فما كان من الشيخ راشد الغنوشي إلاّ أن أنكر أمر اشتراك حزبه في عمليات تجنيد الشباب إلى سوريا ، مؤكداً عدم مسؤولية حركته عن هذه الظاهرة

من جهته، خفّف الرئيس المنصف المرزوقي من خطورة المسألة بحجة «قلة أعداد» الشباب المقاتلين في سوريا ، بينما طالب نواب في المجلس التأسيسي السلطات بكشف الجهات التي ترسل شباناً تونسيين إلى سوريا.. أما الصحافة التونسية ، فانشغلت – طيلة الأسابيع الماضية- بالإضاءة على أبعاد هذه الظاهرة وكواليسها

و كانت جريدة «الشروق» التونسية نشرت، في 12 مارس الحالي، نقلاً عن وكالة أنباء «آسيا»، ملحقاً تفصيلياً ( انظر الرابط أدناه) قالت إنه لعشرات القتلى التونسيين في سوريا، يتضمّن أسماءهم وصورهم والولايات التي ينتمون إليها، فضلاً عن تاريخ ومكان مقتلهم في سوريا. وكان لافتاً أن أغلبيّة “الجهاديين” ينتمون إلى مدينة بن قردان، الواقعة في جنوب الجمهوربة التونسية ، قرب الحدود التونسية الليبية

خامساً: لوعة العائلات و الأهالي

قبل ثورة 14 جانفي حذرت منظمات عدّة من أن خلايا جهادية نائمة في تونس، تقوم باستقطاب الشباب العاطلين عن العمل قصد استخدامهم في أعمال تتعلق بالجهاد. ويتم استقطاب هؤلاء الشباب عبر الدعوات في المساجد والجلسات الخاصة

تقول شقيقة أحمد التوهامي، وهو أحد الشباب المفقودين في سوريا، لـصحيفة «السفير» اللبنانية:ا

ا«بعد الثورة أصبح أخي يتردد على أحد مساجد محافظة سوسة، ثم أبلغنا أنه يعتزم الذهاب إلى ليبيا للبحث عن عمل في مجال البناء، ومن يومها لم يعد. بعدها لم نسمع عنه أي خبر إلى أن بثت قناة “الدنيا” السورية ، اعترافاته بالتـسلل إلى التراب السوري عن طريق تركيا»ا

و يطالب أهالي هؤلاء “الجهاديين” المنظمات الإنسانية بدعم قضية استرجاع أبنائهم. وهنا تقول مسؤولة في الرابطة التونسية لحقوق الإنسان لـجريدة «السفير» اللبنانية:ا

ا«بصراحة .. فإنّ عملية استرجاعهم، تعتبر عملية صعبة وشبه مستحيلة.. سواء بالنسبة لنا كمجتمع مدني ، أوحتى بالنسبة للسلطة خاصة بعد انقطاع العلاقات الديبلوماسية بين البلدين»، معلّقة أن بإمكان السلطة التونسية التصدي لهذه الظاهرة من خلال تكثيف الحراسة على الحدود والقيام بتحقيق جدي لكشف عمن يقف وراء التغرير بشباب تونس المراهقين في هذه الاعمال الارهابية»ا

ويشجّع المناخ العام في تونس ما بعد الثورة على انتشار هذه الظاهرة، مع التساهل الذي تبديه حركة «النهضة» الحاكمة في التعامل مع التيارات السلفية الجهادية

سادساً : الغرائب و العجائب في كتائب “الجهاديين” الأجانب

إنّ من غرائب قصص هؤلاء “الجهاديين” ، قصص أولئك الذين صاروا يعرفون بـ”المجاهدين القاصرين”.. وقد تناقلت مصادر في التيار السلفي التونسي لموقع “تانيت برس” التونسي حكاية طفل تونسي يبلغ من العمر 10 سنوات فقط ، و يكنى بـ”الفاروق التونسي” .. وهذا الطفل الصغير لقي حتفه اثناء قصف الجيش السوري لاحد معسكرات الجماعات المسلحة التابعة لجبهة النصرة

و أضافت ذات المصادر ان الطفل كان بصحبة والده الذي يقاتل في صفوف جبهة النصرة منذ شهر سبتمبر الماضي

و قد تعددت في الآونة الاخيرة حالات اصطحاب بعض المقاتلين العرب في سورية لابنائهم فقد ذكرت صفحات موالية لجبهة النصرة على الشبكة الاجتماعية خبر مقتل الطفل الليبي أحمد أبو مدين أصيل مدينة درنة في الشرق الليبي و البالغ من العمر 12 سنة . و قتل الطفل الليبي أثناء مرافقة والده في احد عمليات الاقتحام الفاشلة لمركز أمني في ريف حلب

أمّا الأنكى من قصص “جهاد” الأطفال التونسيين غير البالغين ، في سوريا .. فهو “جهاد” الفتيات القاصرات التونسيات تلبية لفتوى شرّعها الشيخ السعودي محمد بن عبد الرحمن العريفي ، وتعرف بـ “جهاد المناكحة” في سوريا

فقد تواترت الأخبار في تونس أن الطفلتين نرمين الزواوي ( 14 سنة – أصيلة مدينة رجيش ، التابعة لولاية المهدية – غادرت بيتها من دون إذن والديها ، و هاجرت إلى سوريا في 23 أغسطس -آب – أوت 2012) .. و أنّ الطفلة رحمة عطية ( 16 سنة -أصيلة مدينة الدندان ، التابعة لولاية أريانة – غادرت بيتها من دون إذن والديها ، و هاجرت إلى سوريا في 23 فبراير -شباط – فيفري 2013) وفد قدمتا من تونس إلى سوريا تطبيقا لفتوى الشيخ محمد العريفي بضرورة جهاد المناكحة في سوريا لحل المشاكل الجنسية “للمجاهدين” ، بعد أن اعرب عن انزعاجه عن حرمان “الشباب” الذين يقاتلون في سوريا من الجنس.. و أباح الشيخ العريفي في فتواه زواج هؤلاء المقاتلين عبر ما سمّاه “زواج المناكحة ” لساعات معدودة ، من فتيات “مجاهدت” وذلك كي يُفسَحَ المجال “للمجاهدين” للاخرين .. لأنّ هذا الامر يشد من عزم “المجاهدين” ، و يعدّ من موجبات الجنة للفتيات اللائي يقمن به ، شرط ان يكن فوق سن 14 او مطلقات او ارامل

ا(يمكن متابعة الفيديو الذي يظهر خال الطفلة رحمة وأمها يطلقان نداء استغاثة في الرابط أدناه)ا

على أنّ قصة شاب من أصحاب الإعاقات الكبيرة ، هي التي فجّرت أحدث فضيحة جديدة في وجه حركة النهضة. إذ عرضت قناة “التونسية” التلفزيونية ليلة الإثنين 18 مارس2013 قصة شاب سلفي معاق فاجأ أهله بالسفر سرّاً إلى تركيا ومنها أعلمهم أنه التحق بسوريا رغم إعاقته التامة ( إذ يستعمل كرسياً متحركاً بمواصفات خاصة، كما أن إصابته بنوع من التصلب العصبي تمنعه مثلاً من الإمساك بكوب ماء بسيط بيد واحدة) . وهي الحالة التي فجرّت التساؤلات عن حقيقة “الجهاد” في وضع هذا الشاب وغيره من الشباب التونسي

و كان لافتاً في البرنامج التلفزي أن شقيق هذا “المجاهد” أجرى تحقيقات جيدة، و بشكل فردي سمحت له بمتابعة خط مسار شقيقه، من تونس إلى تركيا ومنها إلى معسكرات المقاتلين الأجانب، في حين “عجزت” الحكومة التونسية ووزارة الداخلية ومخابراتها عن معرفة أي شيء عن هؤلاء.. وتصر هذه الجهات الرسمية على جهلها بتفاصيل الشبكات وطرق الدخول و الخروج من سوريا

وتضمن البرنامج التلفزي شهادات لتونسيين آخرين قاموا بمثل هذه التحقيقات كلّ على طريقته ، ما أفضى في النهاية إلى ما يشبه الإدانة لحركة “النهضة” التي تشرف على الملفات الأمنية الحيوية والسرية في البلاد. كما تمكن بعض الصحفيين من التحول إلى ليبيا وحتى إلى سوريا، وتمكنوا من حصر أعداد التونسيين هناك في غياب أي حضور دبلوماسي لتونس في دمشق بسبب قطع العلاقات بين البلدين

سابعا: …وماذا بعد؟!ا

هذا الرقم المفزع من أعداد “الجهاديين” التونسيين في الخارج ، جعل المجتمع المدني يوجه التهمة إلى حزب “النهضة” وإلى حلفائها السلفيين بالاعداد لما بعد الحرب في سوريا. فهذه الالآف التي تدربت على القتال والعنف والحرب والتي غسلت أدمغتها بشكل عميق من قبل الفصائل والفيالق الجهادية المتطرفة، ستعود إلى تونس مهما طال بها العهد في “الجهاد” في الخارج

و يتساءل الصحفي التونسي سليم ضيف الله : ما الذي تغنمه النهضة من هذا “الجيش” الصغير من المقاتلين بعد عودتهم؟!.. هل سيكتفون (حين يعودون) بالتعبّد وجهاد النفس ؟!.. أم سيتم استعمالهم في تونس -مثلا- عصا غليظة وقوة ردع “للكافرين” من المواطنين العاديين؟!.. أو سوف يتم إرسالهم مرتزقة إلى دول أخرى مثل الجزائر أو ليبيا أو مالي أو غيرها من الدول الأخرى كلما دعت الحاجة الى ذلك؟!.. وكيف تنكر الحركة التي تمسك بتلابيب الحكم معرفتها بوجود شبكات وخلايا تعمل على تجنيد شباب ي مقتبل العمر بعضهم ترك مدرسته وبعضهم معاق وبعضهم الاخر لا يفهم حتى لم يجد نفسه بين عشية وضحاها في أتون حرب مدمّرة؟!.. وكيف تتجرأ حكومة تَعِدُ بتوفير الأمن لمواطنيها ( إذا صدق قولها وأنها لا تعلم شيئا عن الأمر ) على الإقرار بهذا العجز الفاضح ، ثم تصرّ على أنها الأقدر على قيادة البلاد نحو بر الأمان؟!ا

أي لعبة تلعب النهضة؟!.. هل تحاول وضع اليد على “مخزون استراتيجي عقائدي” هو هذا الجيل من “السوريين-العرب”؟!.. أم أنها تحاول التحالف مع الحركات السلفية المتطرفة لتخفيف حدة الخلافات الطارئة بينهما (بعد اكتشاف شبكة قتلة المعارض شكري بلعيد من المتطرفين السلفيين)؟!.. أم أنها ، و ببساطة، تتربّح من هذا “الرقيق الجديد” الذي يدرّ على زعمائها أرباحا طائلة بالبترودولار؟!ا

20 آذار 2013
* كاتب تونسي

عن prizm

شاهد أيضاً

التنمية بعيدا عن التبعية حلم بعيد المنال..!

4 تشرين الأول 2023 د.محمد سيد أحمد* ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن التنمية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *