الرئيسية / ثقافة شعر وفنون / من المسؤول عن مكافحة ظاهرة الصحفي-الزّائف؟

من المسؤول عن مكافحة ظاهرة الصحفي-الزّائف؟

ادريس هاني

كل جنس من أجناس الصحافة هو قارّة من التكنيكات وأساليب تقصي وعرض الخبر، يملك أحد أن يقوم بجنس وقد لا يكون قادرا على القيام بجنس آخر، المسألة لا تتعلق دائما بالموانع الطبيعية أو مستوى الذكاء، بل أحيانا كثيرة هي فرصة..ففي صحافة التحقيق نكون أمام اختصاص معقّد عادة ما يستميل صاحبه في البيئات المتخلفة لكي يخرج عن المهنية..هنا لعبة الانتقاء والتصرف والاختزال وما إليها من أساليب المغالطة التي تحدثنا عنها مرارا..
لا توجد صحافة حرّة فقط هنالك صحافة حارّة..تحرّف تضاريس الواقع وتوتّراته..تصور العالم مختزلا في حدث أو تصنع ملهيات زائفة عن الواقع ثم تصبها مرة أخرى على الواقع فيتأثر بها ويدخل في دورة أوهام والتباسات..إنها صحافة التشويش على سلامة التّلقّي..ماذا يفعل يا ترى الصحافي الذي يخترق المهنة لبؤدّي دور دواوين التفتيش؟ لك بعض الطرق التي عايشناها وباتت مفضوحة ولهذا السبب يعملون ليل نهار على تحسين طرائق الخداع لكي لا تكتشف أساليبهم القذرة:
– تحديث الزّيف: وذلك من خلال نقر وعي المتلقي بتحليلات زائفة لا تقوم على منهجية صارمة في التحقيق ولا خبرة كبيرة في تفكيك الظواهر والأحداث..الغرض من هذا التحدي و التشويش على ذهن المتلقي حتى لا يكون له فراغ يسمح بتأمّل الحقيقة من وجوهها الأخرى..وهذا التحديث المستمر يتجه إلى تحيين أخبار زائفة وتحديث الإساءة أيضا..
– خدعة المصدر الآحاد، أي اعتماد حكايات وأحجيات فردية وآحادية اعتباطية في تمرير موقف وحكم زائف ومحاولة التهوين من الأحكام المبنية على المعاينة الميدانية ومحاربتها بأحجيات من مصادر العدوّ..ودائما هناك محاولة لإبراز الأبعاد الاعتقادية للآخر وفي المقابل إخفاء الخلفية العقدية للمحلل، عملية يقوم بها أحيانا الصحفي-الزائف باستمرار ليوحي بأن مواقفه صادرة عن موقف محايد وموضوعي في عملية خداع مستمرة للرأي العام
– وضع التحليل دائما في قالب عرقي أو طائفي أو مذهبي او ديني ومحاولة العزف على وتر العوامل العارضة أو التي هي جزء من حرب مفتعلة تخفي أبعادا استراتيجية، فالمحلل -الزّائف لا يفتأ يمضغ في تلك القوالب التي يمارس من خلالها قوالبه على المتلقّي..
– إعادة إنتاج الشخوص والنصوص وفق لعبة الاختزال والنقر الديّكي على التوصيفات لأسباب تجعل الصحفي-الزائف طرفا في فعل إرهابي يستهدف المواطنين بالتصنيف..ويعمل الصحفي -الزائف على تطوير مهاراته حتى لا يكتشف، لأنّ الأساليب تبلى والمتلقي يتطور أكثر..ويعمل الصحفي – الزائف لا سيما في زمن بيع الذمم والانخراط في مخططات خارج مهنة الصحافة، على استدراج الشخصيات المناضلة التي تصنّف في مخططهم السّرّي كأعداء يجب الإساءة لهم بتكنيكات الحرب الناعمة وذلك بوضعهم دائما في إطار الجواب عن قضية واحدة وتكرار ذلك ببلادة ولكنها هي شكل من التنميط الممنهج أو تناول قضاياهم ولكن دون نسيان تحيين التصنيفات العنصرية أو الدينية أو الطائفية، وهو ما لا يتم القيام به في حالات أخرى..هذا الأسلوب القذر المتّبع في الإعلام النّازي الذي تعلّمته شبكات الإعلام الإمبريالية والصهيونية وانتقل عبر التدريب للإعلام الرجعي وتستعمله وسائل الإعلام هو وسيلة من وسائل القتل الرمزي للمثقف وخلق بالمقابل عيّنات من المثقفين المزيّفين أو حالة من العته الثقافي وتكريس الرّداءة…
والحقيقة أنّ مناهضة هذا الوضع هو أولا وقبل كل شيء مسؤولية المثقف الحقيقي..نتساءل مرة أخرى : من هو المثقف الحقيقي؟
المثقف الحقيقي هو صانع ومنتج ومستوعب لدورة الفكر الإنساني بشكل يتجاوز فعل الاستغباء والتسطيح وثقافة آخر كتاب نقرؤه وآخر شخص نعرفه..المثقف الحقيقي الذي يملك رؤية نسقية متكاملة وليس من ينطّ من حكاية إلى أخرى ومن عنوان إلى آخر..هناك أفكار لا تتمتّع بالنسقية الضرورية وما أكثر ذلك، نتيجة جهل هؤلاء بالرياضيات في حدّها الأدنى..الهروب من الرياضيات كانت نتيجته هذه الفوضى لأناس لم يتوجهوا أدبيا حبّا في الأدب بل هروبا من جحيم إعمال النظر والذكاء والفكر العلمي النسقي..وأعتقد أنّ الأدب علم وكان يفترض أن يكون علما..وكان لا بد أن لا يفارق درس الرياضيات الفلسفة والأدب..فهذا النوع من الفصل التعسفي أنتج عقولا لا تحسن التنسيق ولا تنتبه إلى الأعطاب البرهانية في خطابها الإنشائي..وهذا أيضا لا يكفي، لأنّ روح العلم ليست هي نتائجه وأرقامه وظواهره..روح العلم هي التي تمنح صاحبها ذائقة للتمييز بين الصحة والزيف، لا سيما وأنّ تساوي الأدلة لا يكون فيما هو بديهي لا يتطلب برهانا زائدا ولا جدلا فارغا..
المثقف الحقيقي لا يكون حيث يكون المال والباطل..لا يكون حيث تزدهر سوق الصفقات داخل المهنة وخارجها..لا يستعبد فترة داخل شبكات المافيا ثم يحاول أن يكتشف بعده النّضالي بينما يحمل كراهية خاصة للمناضلين لأنه يرى في مرآتهم صورته كعبد آبق أو حمار هارب بالعلاّفة..المثقف الحقيقي يتماهى مع حركة التاريخ العادلة وهو ما ليس في مكنة المثقف-الزائف الذي هو نوع من النّابتة الشّبيهة بـ”الحرّيكة” على حافة الطريق..عدو المثقف -الزائف هو المثقف الحقيقي الذي يتمتع بالذكاء الكافي والشجاعة الكافية للإطاحة بالزيف..
المثقف والصحفي الحقيقيان معنيان بمواجهة المثقف-الزائف والصحفي -الزائف لأنه خطر على الاجتماع والمهنية وقيم المجتمع..يحاول المثقف – الزائف أن يحصل قدر الإمكان من الاعتراف المزيف والاختباء خلف أسماء عابرة وإطلاق العنان للمزاعم التي تكذبها الآثار البليدة التي يقذف بها القارئ أو المشاهد..ليس لهذا النوع من الزّائفين تاريخ يمتد لعشر سنوات على الأقل من الوهح والإقناع..عادة يسقطون سهوا ويتداركون الموقف بهرولة حمقاء ملؤها الإيحاء دون مضمون مقنع..ولأنّ المثقف الحقيقي واعي بهذه اللعبة، قادر على نسفها عند الاقتضاء فهو يصبح العدو الأوّل لهذا النوع من الطابور الخامس في لعبة الرداءة..في هذا المقطع من استكبار الرداءة وتمكنها من العقل العربي نبتت نوابت وظهرت ظواهر واستنسر الجدجد وتدنصرت السلاحف وزأر الحمار وتنمّرت بنات آوى..غير أنّ مكر الزمان وآفاته جديران بتصحيح المسار..ليس هناك إعلام مقابل ظواهر المجتمع ومسارات الحقيقة بل هناك معركة بين الحقيقة والزيف يكون الإعلام طرفا فيها أيضا ومجالا من مجالات تجلياتها الكثيرة ، من يا ترى له الحق في أن يمارس التحقيق في فساد الإعلام والإعلاميين؟
ادريس هاني:

عن prizm

شاهد أيضاً

مكتبة تعيد التاريخ الفلسطيني مخطوطة واحدة في كل مرة

22 تشرين الأول 2023 هبة اصلان تقدم مكتبة في القدس الشرقية التي ضمتها إسرائيل لمحة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *