الرئيسية / ثقافة شعر وفنون / ذروة الإمبريالية

ذروة الإمبريالية


ادريس هاني

ابتكرت ميديا شبكات المصالح وقوى الضّغط الإمبريالية فكرة نظرية المؤامرة وأحاطتها بالكثير من التفاسير التبشيعية المستهجنة في سياق الحرب على الاختراقات والاحتجاجات التي استطاعت الإمساك بجزء من نظام اليد الخفية للإمبريالية..وهكذا كنّا دائما نتجنّب الحديث بلغة المؤامرة على الرّغم من أنّ الإمبريالية هي أكبر ظاهرة للتآمر..قرأت الكثير من الأفكار حول اليد الخفية في ثمانينيات القرن الماضي، وربما كان بعضها مقنعا نظرا لقوة المعطيات، لكن كان الحديث عن اليد الخفية حتى ذلك الوقت يكتسي طابعا خفيّا وغامضا، واليوم بات الأمر مختلفا تماما، لقد انفجر النّسق وكشف الغطاء وبرزت الوجوه الخفية للعبة الأمم وأدواتها..ودعني أبدأ بأحد الذين أعتبرهم وليد المنعطف الجديد الذي دشنه قرار نيكسون القاضي برفع غطاء الذهب عن الدولار، مثال عن كائن سقط سهوا في مجال الأعمال انطلق كما تقول الدعاية من لا شيء ليصبح كبير المضاربين، كل هذا نتيجة لهيمنة الاقتصاد المالي على الاقتصاد الحقيقي..وهذه الحقيقة عن فساد هذا النظام يقرّ بها سوروس الذي يعتبر من كبار نقّاد النظام الرأسمالي أيضا وكبير المضاربين المستفيدين من ثغراته..في هذا الذي أسمّيه بمفارقة سوروس تتحدّث وول ستريت جورنال عن أنه استغل ما يعرف بصدمة نيكسون في 1971 ليجمع ثروة هائلة من خلال المضاربة بالصرافة..
ضارب سوروس ضدّ عملات دولية وكان سببا في الإطاحة بها لكنها منحته فرصة لتحقيق طفرات في قطاع المال، أهمها حين ضارب ضدّ الجنيه الإسترليني متسبّبا في خسارة كبيرة للاقتصاد البريطاني، عرفت بالأربعاء الأسود، حيث باع أكثر من 10 مليار دولار من الجنيه الاسترليني وربح بموجب ذلك مليار دولار(عام 1991)..وكان وراء الانهيار المالي الذي شهده الاقتصاد الأسويوي حين هزّ اقتصاد النّمور، حيث اتهمه مهاتير محمد بالتآمر على الاقتصاد الماليزي..تستطيع الإمبريالية استعمال أدوات فردية لتحقيق تفوقها الدّولي، وفي الحقيقة لا نتحدث هنا عن دولة إلاّ باعتبارها فرصة أو قاعدة لتمكن اليد الخفية من ممارسة الهيمنة من داخل الأمبراطورية – سوروس يؤمن بالدولة العالمية – وهي نفسها ستقرر متى تغادر الأمبراطورية وتتركها كمدينة صناعية مهجورة..لا زلنا لم نتحدث متى تركب اليد الخفية القطار وتغادر، لكن هذا رهين بانكشاف لعبة تدار بعناية فائقة..لقد ارتبط إسم سوروس بسلسلة الانهيارات التي عرفتها أسواق المال في جنوب شرق آسيا..ولكنه سبق المتأوّهين للتساؤل حول هشاشة النظام المالي في ظل العولمة..كان سوروس هو الرابح في كل أنواع المضاربات بينما انهزمت أمامه دول، هل هي يا ترى عبقرية فرد في مواجهة اقتصادات دولية كبرى بما فيها الاقتصاد البريطاني؟ لقد خرج هو الرابح الوحيد من هذه المعركة، لكنه يعترف بأنّ ” انهيار النظام المالي يعد حقيقة، والأزمة لم تنته بعد ، فلقد دخلنا فى واقع الأمر المرحلة الثانية من دراما الأزمة”..يعتبر سوروس الذي جرّب أشكال التّنكّر والعيش بإسم جديد غير إسم العائلة الحقيقي(إسمه الأصلي في المجر: جورج شوارتز )، وبهوية جديدة بأنه ومنظمته كان طرفا في انهيار الاتحاد السوفياتي..إننا أمام شكل من توزيع الأدوار تتيحه السياسة الأمريكية بوصفها مسرحا يجب أن تظهر فيه الأمور على طبيعتها العفوية..صراع الأجنحة في الاتجاه الواحد..سوروس هو رجل اللّوبي اليهودي الذي يناهضه اليمينيون إلى حدّ الاشمئزاز من إسمه..نستطيع أن نعرف سبب نقمته على ترامب وكلاهما من قطاع المال، غير أنّ ترامب هو في نظر سوروس أهبل، وسبق أن نعت ماهاتير محمد بالحمق أيضا..هل هي مسرحية حمقى تمتلك كل هذه القدرة على زعزعة النظام الاقتصادي الدّولي؟ المشكلة في نظر سوروس هي أن الرابحين في هذه الصفقة لم يعوضوا الخاسرين وهكذا تفاقمت الفوارق الداخلية..هذا في نظري شبيه بلغة المقامرين..يعتبر سوروس أن العلاقة بين الرأسمالية والديمقراطية تكاد تكون هشّة في أقل تقدير..
حين يعلن سوروس بأنّ منظّمته ساهمت في الإطاة بالشيوعية فهذا تمرين يظهر بأنّ الرأسمالية لا تحتاج إلى دولة لتدبير نفسها بل تحتاج إلى دولة أو بالأحرى أمبراطورية تحمي نشاطها، فماذا لو عجزت الأمبراطوريا الأمريكية نفسها على توفير الحماية والسيطرة على الأسواق؟ أي معنى للسيادة حينما يصبح رأس المال الفردي يتهدّد مصير أمم؟ هل لمفهوم الدولة مكانة في تفكير سوروس؟ غير أنّنا لا زلنا نتساءل أمام ظاهرة أومفارقة سوروس: هل هو صاحب مبادرات إصلاحية. هل هو جزء من نظام اليد الخفية أو آلية للدولة العميقة أم أنّه ذلك العبقري الذي بمفرده يستطيع أن يثبت هشاشة النظام المالي العالمي؟ انتصار الفرد على الدّولة-الأمّة ….يتبع
ادريس هاني

عن prizm

شاهد أيضاً

مكتبة تعيد التاريخ الفلسطيني مخطوطة واحدة في كل مرة

22 تشرين الأول 2023 هبة اصلان تقدم مكتبة في القدس الشرقية التي ضمتها إسرائيل لمحة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *