الرئيسية / الملف السياسي / العالم / الوفاء للحلفاء في زمن الإمبريالية

الوفاء للحلفاء في زمن الإمبريالية

ادريس هاني

كم يثير قرفي حديث بعض المنسوبين عبثا إلى دائرة التحليل الاستراتيجي حين يتحدّثون عن الوفاء للحلفاء..من أي مدرسة للبهاليل يصدر هؤلاء الباباغاوات بعد أن بات بديهيّا أن لا وفاء في العلاقات السياسية الدولية سوى المصلحة..والمصلحة تتقلب كالحرباء لا سيما في محور الميركونتيلية الجديدة..يقتضي الوفاء أن تكون قاعدة التحالف مبدئية تقوم على احترام القيم العليا التي تؤمن جدوى استمرارية المجتمع الدولي..كيف تكون وفيّا للإميريالية بينما هي لا تنظر إليك كحليف بل تنظر إليك ككاسحة ألغام في زمن الحروب بالوكالة..كيف يجمع هؤلاء النوكى بين الفوضى لخلاّقة وبين الوفاء للأحلاف بمدلوله الأخلاقي؟

وجب التفريق بين التحليل الاستراتيجي وبين صباغة الموقف بمفاهيم تخفف من واقع التّبعية..الدول تدرك خلافا لهؤلاء النوكى أنّ هدفها المصلحة المجردة، بينما يحاول المحلل المتملق أن يقدّم وجبة من صباغة الحمير في سوق السياسة الدولية..

الحلف مفهوم فضفاض..والقوى الكبرى تدرك أن الدول الضعيفة والهشة ليست حليفة مهما فتشت في ذاكرتها المثقوبة عن مواقف تندرج في إطار المجاملات..تختبر الدول العظمى الدول التي تخدم مصالحها لقاء مساعدات غير نظيفة تستعمل في رهن هذه الدول لتبعية قاتلة..كانت الأمور في زمن الحرب الباردة أخفّ وطأة من حيث التوريط السياسي لأنّ الاصطفافات كانت أكثر وضوحا والتدخل كان في الغالب مباشرا.. لكن اليوم وفي زمن التدخل غير المباشر وصناعة وكلاء الحرب باتت الإمبريالية تطالب أتباعها بمزيد من المغامرات..اليوم مصير الدول الضعيفة مرتهن لجنون الإمبريالية..ومثل ذلك وجب التذكير بأنّ ذاكرة العقوبات التي فرضتها واشنطن على إيران منذ مطلع الثمانينيات، استهدفت الدول الضعيفة بعقوبات أمريكية مباشرة فيما لو أنها لم تلتزم بالانخراط في تلك العقوبات، ومن ضمن سبعة عقوبات ذكرتها في ذيل قرار العقوبة هناك إيقاف المساعدات..خذ مثالا فقط عن قانون (ILSA) الذي أقره الكونغرس الأمريكي عام 1995 والذي يشمل ليبيا، والقاضي بإخضاع الدول للعقوبات الأمريكية في حال زاد قيمة استثماراتها مع ايران في مجال تطوير الموارد البترولية عن 20 مليون دولار، وهي فرض عقوبتين من أصل سبعة حددتها في التالي:

– الحرمان من المساعدة المقدمة من بنك التصدير والاستيراد؛

– والحرمان من تراخيص التصدير للصادرات إلى الشركة المخالفة؛

– حظر القروض أو الائتمانات من المؤسسات المالية الأمريكية التي تزيد قيمتها على 10 ملايين دولار في أي فترة 12 شهرا؛

– حظر التعيين كتاجر رئيسي لأدوات الدين الحكومية الأمريكية؛

– الحظر على العمل كوكيل للولايات المتحدة أو كمستودع لأموال الحكومة الأمريكية؛

– الحرمان من فرص المشتريات الحكومية في الولايات المتحدة (بما يتفق مع التزامات منظمة التجارة العالمية)،و

– فرض الحظر على جميع أو بعض واردات الشركة المخالفة.

إنّ جميع من له إلمام بتاريخ الاقتصاد السياسي للإمبريالية يدرك خطر المساعدات..فإيران تحارب كلما حاولت تعزيز الاكتفاء الذاتي أي كسر طوق التبعية الاقتصادية والسياسية، بينما تعاقب الدول التابعة في حال لم تخضع لقرارات الدولة العظمى..فالمساعدات لم تكن يوما بلا ثمن، بل هي عامل تخليف مستمر وعامل فوضى وزعزعة الأمن الدولي السياسي والاقتصادي..

في أولى تلك العقوبات التي شملت منع توريد قطع غيار الطائرات، كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد أعلنت حربا كبرى على المدنيين الإيرانيين الذين كانوا يقضون في حوادث الطيران..لم تكن الطائرة المدنية التي أسقطتها القوات الأمريكية عشية الحرب العراقية -الإيرانية يوم كانت أمريكا حليفا لبغداد في حربها على إيران، هي وحدها الجريمة التي استهدفت المدنيين الإيرانيين، فهناك طائرات إيرانية مدنية سقطت في رحلات داخلية بسبب فرض الحضر على قطع الطيران المدني عن إيران..محاولات واشنطن لتجويع الشعب الإيراني تشبه حصار الشعب العراقي، هي حرب على الشعوب بالدرجة الأولى..وفي هذا السياق وكل سياق سيجد هؤلاء خونة يخدمون الإمبريالية ضد بلدانهم..وسيضاعف منسوب النباح الطائفي لخداع الشعوب بأن الحرب الدولية اليوم ليست اقتصادية بل هي طائفية حيث سيعلن علم كلام جديد لإسناد ناتو عربي يقوده “الترامبّتيست” ضدّ محور مناهضة الإمبريالية الأمريكية..

في ذاكرة العقوبات الأمريكية ضد إيران كان ناسج السجاد الإيراني يحبك سياسات بديلة نقلت إيران بصمود اقتصادي لا يقل عن الصمود العسكري إلى مصاف الدول العضو في النادي النووي..وتكرار هذا النوع من الضغوط يعد في السياسة الدولية إفلاس كبير..هذا ما يدركه الساسة من داخل الولايات المتحدة الأمريكية ممن يعتبرون ترامب يقودهم إلى الجحيم..

يتراجع الحلف الأمريكي نتيجة تضارب المصالح وهو أمر سيجعل محاور أمريكا الرئيسسين في المنطقة أعجز من أن يواصلوا معركة كسر العظم نظرا لتورطهم اللاّاستراتيجي في حروب استنزاف كبيرة..في اعتقادي، إنّ الأخطاء التي يرتكبها “الناتو العربي” في الشرق الأوسط سيراكم الإحباط والعبثية مما يجعل حروبهم لا أفق سياسي لها..بل أكثر من ذلك أعتقد بأنّ الحرب لم تبدأ بعد..فهناك حدود في قواعد الاشتباك لم تخرق بعد ولكنها ستخرق بفعل السياسات الخاطئة..

المشكلة اليوم هي في أن العالم بات تحت تصرف المجانين..والقرارات الكبرى التي تزعزع الأمن الدولي والإقليمي يقف وراءها قرار ملتبس لإنجاز لعبة ضعيفة الاحتمال..في السياسة الدولية وجب أن تتمتع اللعبة بدرجة احتمالية مقنعة..لأنّ ضريبة الإخفاق في اللعب الدولي كبيرة جدّا..إنّ الدول التي ترهن مصيرها للتبعية الأمريكية ستواجه تحدّيات كبيرة في المستقبل..وأكثر من ذلك الدول التي لا تتمتّع بمؤسسات الدولة وتستند إلى التمكين عبر حلفائها..هناك ما يمكن أن نسمّيه الوضعية المضطربة لأمل الحياة بالنسبة لنظم راهنت على الإمبريالية وليس على دينامية الأمّة الدولة..ففي هذه المرحلة الانتقالية يصبح الحديث عن الوفاء للحلفاء خدعة إن لم نقل فخّ ينصبه الجهلة بمستقبل السياسة الدولية ومنزلق خطير يحرق كلّ أوراق الدول التي لا تملك استراتيجيا ولا تميز بين المعطيات الوظيفية التي تكون هي ضحيتها وبين المعطى الحقيقي الذي يتعلّق بمستقبل السياسة الدولية..

هذه العقوبات لن تكسر إيران بقدر ما ستزيدها مناعة وقدرة على شدّ عصب شعبها ضدّ الحصار الإمبريالي الذي يستهدف شعبها..وهي أيضا عقوبات لن تغير من قواعد الاشتباك لأنّ أي تطور في الصراع المباشر سينجم عنه تطور في إداء محور الممانعة..كما أنّ هذه العقوبات لن تمنح حلفاء أمريكا الإقليميين أي قوة إضافية سوى ما ستتركه من أحقاد يصعب محوها من ذاكرة العلاقات الإقليمية..يحاول ترامب أن يخضع الجميع لضغط القرارات التي تتخذها إدارته..ضغط تمارسه دولة تعاني هي الأخرى من مشكلات اقتصادية ومالية كبيرة، وفي مرحلة انتقالية يشهدها النظام الدولي وفي عزّ التحدي الذي يمثله محور الممانعة العالمي الذي يكافح من أجل توازن دولي جديد تنتهي معه القطبية الآحادية التي تعتبر في حدّ ذاتها عاملا أساسيا لعدم الاستقرار الدولي..

عن prizm

شاهد أيضاً

انهيار اقتصادي عالمي في 2024 أو انقلاب بالولايات المتحدة في 2025

8 كانون أول 2023 *ألكسندر نازاروف بلغ دين الولايات المتحدة حينما دخلت الحرب العالمية الأولى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *